يبدو أن مجلس الوزراء الحالي يسعى إلى ترسيخ التنمية السلبية، وليست الإيجابية التي تستفيد فيها الدولة من إمكانات الشعب والقطاع الخاص، والاستثمار المحلي والأجنبي لتنويع مصادر دخلها، وتعزيز قوة اقتصادها في مواجهة المتغيرات الحاصلة عالمياً. بينما على العكس، تفعل الدول الساعية إلى تنشيط حركتها الاقتصادية، والاستفادة من المبادرات الفردية والجماعية لتكون مصدراً من مصادر قوتها الإقليمية والدولية.
مناسبة هذا القول، هو الإجراءات التي يبدو منها أنها تسعى إلى أن يقدم المستثمر الإغراءات والمحفزات للدولة، وليس العكس، كما قلنا أمس، لأن القرارات تعمل على كبح انطلاق مشاريع القطاع الخاص، الذي مر بكثير من العقبات طوال السنوات الماضية، بدءاً من المشكلات الإقليمية، مروراً بجائحة "كورونا" وصولاً إلى تركيز الهيئات المعنية بالصناعة والزراعة والخدمات، حالياً، على المخالفات الثانوية، وتعطيل المشاريع، وسحب القسائم.
في الدول كافة، التي تسعى إلى تنظيم أي قطاع، تعمل على الإفساح في المجال أمام المستثمرين كي يطوروا مشاريعهم، أما العكس فهو يؤدي إلى المزيد من استنزاف الموارد الطبيعية، وسوء تخصيصها، والمزيد من طرد الاستثمار في القطاعات الحيوية، والأمن الغذائي، بل البنى التحتية كافة.
ولا شك أن هذا يساعد على المزيد من الفساد، لأن المستفيد من الوضع القائم يرفض أي منافسة جدية محلية، فيسعى إلى الاحتيال على القانون، والرشوة، وغيرها لأن المزيد من الاستيراد يعني المزيد من أرباحه، لذا نرى مثلاً محاربة شبه علنية للإنتاج الزراعي.
في المقابل، هناك ما يشبه الحرب على التصنيع المحلي، حتى لو كان في الحدود الدنيا، كذلك إنجاز الطرق وغيرها، فهي ليست مشاريع تنموية، رغم أهميتها، بينما في المقابل يبدو الإنجاز التنموي في الإنسان شبه معدوم، رغم الكثير من الضخ الإخباري عن ذلك.
قبل أيام، ترأس سمو رئيس مجلس الوزراء، الشيخ أحمد العبدالله، الاجتماع الدوري للجنة الوزارية لمتابعة الموقف التنفيذي للاتفاقيات بين الكويت والصين، وشدد على "جذب المزيد من الاستثمارات الصينية"، وهذه نقطة جيدة، في المقابل، هل القرارات التي تصدرها جهات معنية بالنشاط الاقتصادي عموماً تحرص على تسهيل ذلك؟
في كل دول العالم تعمل الحكومات على تحفيز المستثمرين، في القطاعات كافة، أكان في الطرق أو المترو أو الإنشاءات الصحية أو الخدماتية، وكما أسفلنا أمس، تمنح تلك الشركات حوافز كبيرة، عبر نظام الـ"B.O.T"، ولا تكون هناك أي منغصات لها، لأن المنفعة مشتركة، بل إذا وجدت مخالفة ما، يجري التنبيه إليها، وليس الإقفال، فيما لا تعارض تلك الجهات تنويع النشاط، طالما أنه يخدم الاقتصاد.
ففي بعض الدول المجاورة هناك أكثر من منطقة حرة، فيها تسهيلات كبيرة للمستثمرين، وكذلك في المناطق الصناعية العادية، لأن الهدف تعزيز الصناعة الوطنية، حتى لو كانت تحويلية بسيطة، فهي بالتالي تخفض فاتورة الاستيراد الذي هو استنزاف للمال الممكن استثماره في جهات أخرى.
لذا، اليوم هناك جو من الخوف في الكويت بين غالبية القطاع الخاص من التعامل مع القطاع العام، جراء القرارات المزعجة التي يصدرها، لذا حالنا مع مجلس الوزراء ينطبق عليه قول الحلاج:
"أَلقاهُ في اليَمِّ مَكتوفاً وَقالَ لَهُ
إِيّاكَ إِيّاكَ أَن تَبتَلَّ بِالماءِ"
أحمد الجارالله