الجمعة 24 أكتوبر 2025
28°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الكويت لا تحتمل وزراء بمتلازمة الغرور السلطوي
play icon
كل الآراء

الكويت لا تحتمل وزراء بمتلازمة الغرور السلطوي

Time
الخميس 23 أكتوبر 2025
عبدالعزيز محمد العنجري

في معظم الدول، من أوروبا إلى آسيا وحتى أميركا، يُختبر المرشحون إلى المناصب التنفيذية في جوانبهم الإنسانية والسلوكية قبل كفاءاتهم؛ عبر انتخابات حزبية، ومناظرات علنية، وحوارات تلفزيونية، تكشف قدرتهم على الحديث وضبط النفس وتحمّل النقد. وحتى في بعض دول الجوار المشابهة للكويت، حيث لا أحزاب سياسية ولا نظام تنفيذي منتخب، وُجدت آليات تكشف شخصية المرشح للمنصب قبل اعتماده.

أما في الكويت، يصل الوزير إلى الكرسي من دون امتحان مسبق يختبر مكنون شخصيته، وحدود قدرته، فيتحول المنصب ذاته إلى امتحان عام قاسٍ، يفضحه أكثر مما يبرهن على كفاءته.

المنصب الوزاري يضع صاحبه تحت الأضواء فجأة، بكاميرات تلاحقه، وإعلام ينقل عنه، وسلطة قرارات تغيّر مصائر الناس، وقرب من شخصيات لم يكن يراها إلا في الصحف أو من بعيد.

هذا التحوّل يُسمى متلازمة الغرور السلطوي (Hubris Syndrome)، وهي حالة تصيب بعض الوزراء وكبار المسؤولين التنفيذيين بعد تسلّمهم المنصب، فتتجلى في تضخّم الأنا، ورفض النقد.

فمن لم يعتد الاعتراف بأخطائه يتحول إلى وزير يرفض الاعتذار، ومن كان يعاني عقدة نقص، بسبب تواضع منصبه السابق، يبالغ في التعالي والهرمية حين يصبح وزيراً فجأة، أما سريع الغضب، قليل الصبر فيتحول إلى عبء منذ لحظة جلوسه على الكرسي.

والأخطر من يملك جلداً رقيقاً لا يحتمل النقد ويُفسّره مؤامرة؛ فأي ملاحظة على الأداء تُصوَّر انتقاصاً من شخص الوزير، وإن تكررت صارت تُتَّهم بأنها حملة خارجية موجه ضده.

وهكذا ينعكس الاضطراب الفردي مباشرة على صورة الدولة.

ومن أوجه القصور الأخرى التي تتضح سريعاً جهل بعض الوزراء بالأعراف الديبلوماسية وقواعد الأسبقية (Protocol & Precedence).

وتشمل هذه استقبال الوفود، وترتيب الجلوس في المؤتمرات، وطريقة تقديم الشخصيات الرسمية، والمخاطبات مع رؤساء الدول والوزراء والسفراء.

وأي خطأ فيها قد يفتح باب التأويلات، ويمس صورة الدولة وهيبتها. وهي أمور يتلقّاها الوزراء في الدول الخليجية كجزء بديهي من التأهيل، بينما عندنا يُترك الوزير ليكتشفها بالتجربة والخطأ.

والمضحك أن هناك من يبرر هذه الأخطاء بقوله: لا بأس، الوزير يتعلم! وكأننا أمام متعلم في سنواته الأولى يُقاد إلى المجالس من دون أن يعرف حتى أبسط آدابها.

ويكفي أن يحمل وزير، أو اثنان فقط، صفات متلازمة الغرور السلطوي ليشوّها صورة مجلس الوزراء بأكمله، مهما وُجد فيه من وزراء مميزين مشهود لهم باللباقة وسعة الصدر.

فالأجساد تُقاس بما تعانيه من علل، إذ ينصرف الجهد إلى العلاج، وإذا استعصى العلاج فلا مفر من الاستئصال.

الثغرات في جسد مجلس الوزراء محدودة جداً، لكنها مؤثرة، وبلغت حداً لا يمكن ترقيعه أو تجاهله، ونخشَى أنها إن لم تُعالج فقد تهدّد صورة المجلس ككل... والحل؟

يكمن الحل في تبني برامج مؤسسية دولية مركزة لاختيار وتأهيل القيادات قبل وصولها إلى المناصب. برامج تمتد لأسابيع قليلة، تقوم على التدريب، والتقييم، والكشف المبكر عن قدرة المرشحين، بدل تركهم يتعلمون على حساب هيبة الدولة.

والتجارب الخليجية أثبتت أن الاستثمار في صناعة القادة يجنّب الدولة أخطاء مكلفة، ويحميها من إعادة إنتاج ظواهر التضخّم الشخصي.

وكما يقول المثل الغربي "يمكنك أن تجبرني على سماعك، لكنك لا تستطيع أن تجبرني على تصديقك". وللأسف، هذه هي حالنا مع كثير من وزرائنا، نسمعهم، لكننا لا نصدقهم.

آخر الأخبار