خلال وجودي في العاصمة الفرنسية "باريس" للعلاج، وددت إعادة اكتشاف هذه المدينة، وكانت أفضل طريقة للمواصلات السريعة والمريحة "المترو" الذي يستخدمه الآلاف يومياً في تنقلاتهم، داخل المدينة أو من خارجها، للوصول إليها أو مغادرتها، ومن دون إرباك.
هذه الوسيلة وغيرها مما يساعد الناس على الوصول إلى أعمالهم في الوقت المحدد، ومن دون ازدحام، وهي ليست ملكاً للدولة، بل هي لشركات من القطاع الخاص تديرها، وتدفع للحكومة بعض الرسوم، فيما الاستثمار يكون لأمد طويل، وبعضها لأكثر من 75 سنة، وتجدد تلقائياً من دون إرباك.
أحياناً يتصور المرء أن باريس كلها تتحرك تحت الأرض، فيما بعض شبكة المترو تدار عبر الذكاء الاصطناعي، أي قلما تجد أحدها يديره سائق.
هذا التنظيم لمدينة كبيرة من هذا النوع يسهل الكثير من الأعمال، ويساعد على خفض التكاليف، فالمترو للتنقل الفردي، تقابله شبكة القطارات لنقل البضائع، وهناك مواصلات عامة أخرى، وتدار بكفاءة، وكل هذا يؤدي إلى توفير الوقت وجلب المال إلى الدولة، ولهذا فإن الوضع يجلب الكثير من المنافع للجميع.
طوال الوقت أقارن بين ما عندنا وعند الفرنسيين، بل أغلب دول أوروبا، التي تعتمد على المواصلات العامة، بينما لدينا لا نزال نستخدم السيارة للتنقلات الفردية، بما فيها من خسارة للوقت والمال، جراء عدم وجود ثقافة المشاركة المفيدة للجميع.
لهذا، تمنيت على وزراء الخدمات لدينا أن يطلعوا على كل ذلك، ويستخدموا هذه الوسائل حين وجودهم خارج الكويت، ومنهم وزراء الأشغال العامة، والمالية والبلدية والتجارة، وغيرهم من الوزراء، وربما يعرفون من أين تؤكل الكتف، وما معنى التنمية المستدامة القابلة مشاريعها للتطوير، من دون هدم وإعادة بناء.
نعم، كل المواطنين يرغبون في رؤية بلدهم متطورة، ولديهم خطط واقعية قابلة للتنفيذ، وليس محاربة المستثمرين المحليين والأجانب، من خلال الانشغال بسحب القسائم الصناعية والزراعية والخدماتية، ووضع شروط تعجيزية، فيما الناس كل ما تطلبه حركة تنموية حقيقية ترى بالعين المجردة، وليس مجرد بيانات وزارية.
كنت أتمنى على الوزراء المعنيين أن يطلعوا من الدول الأخرى كيف تستثمر في شركات القطاع الخاص، من أجل تحريك عجلة الإنتاج، وتسهيل الأعمال، وليس وضع العصي في الدواليب، واختراع المعوقات. فإذا كان سكان مدينة باريس وحدها مليونين، والمنطقة المحيطة بها يبلغ عدد قاطنيها نحو 12 مليون نسمة، وكلهم يتحركون بسهولة، ألا يكون ذلك مناسبة للتعلم كيف يمكن أن تدار دولة عدد سكانها أقل من خمسة ملايين نسمة؟
أليس مع كل عام دراسي في الكويت تزدحم الطرق والشوارع، بل كل يوم عند بدء الدوامات يهدر الوقت الذي يترجم في دول أخرى مالاً وتطوراً، وكل هذا لعدم وجود خطة واضحة، بل على العكس لدينا حلول ارتجالية، ما يؤدي إلى التضييق على الناس، عبر قرارات تحد من حركتهم، ما يؤدي في النهاية إلى عرقلة الأعمال والمشاريع؟
لكي نتغلب على هذه المشكلة، ربما نحتاج إلى 1500 سنة لنصبح مثل باريس، لندن، مدريد، روما، وغيرها من المدن الأوروبية، بل حتى نصل إلى ما وصلت إليه بعض الدول الخليجية التي سبقتنا بسنين طويلة في ذلك، أقرب الأمثلة، مترو دبي وشبكة القطارات السعودية السريعة.
(باريس)