الخميس 06 نوفمبر 2025
22°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الشرق الأوسط... نحو خريطة جديدة
play icon
كل الآراء

الشرق الأوسط... نحو خريطة جديدة

Time
الاثنين 27 أكتوبر 2025
صالح بن عبد الله المسلم

المنطقة اليوم تعيش لحظة تحوّل تاريخي، لا تقل أهمية عمّا شهده العالم بعد الحربين العالميتين، فالشرق الأوسط، الذي طالما كان بؤرة صراعات وأطماع، يبدو حالياً وكأنه يُعاد رسمه بخطوط دقيقة وهادئة، تُرسم خلف الكواليس أكثر مما تُعلن على المنابر.

التحالفات تتبدّل، والمصالح تُعاد صياغتها، والخرائط السياسية تُرسم وفق معادلات اقتصادية وأمنية جديدة، لا مكان فيها للضعفاء أو المترددين.

أبرز ما يمكن ملاحظته في المشهد هو التحول في موازين القوى، إذ لم تعد القوة العسكرية وحدها قادرة على ضمان النفوذ، بل أصبحت القوة الاقتصادية والتكنولوجية هي معيار التأثير الجديد.

دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، تمضي في مسار التحول الستراتيجي، مستندة إلى مشاريع اقتصادية عابرة للحدود، تُعيد تعريف مفهوم القيادة الإقليمية على أسس التنمية والاستقرار.

وفي المقابل، تتراجع بعض القوى التقليدية التي كانت فاعلة في المشهد، بسبب الأزمات الداخلية، أو التغير في مواقف الحلفاء الدوليين.

الملف الفلسطيني يعاود الظهور بقوة في المشهد الإقليمي، ليس فقط كقضية سياسية، بل كعامل يعيد ترتيب أوراق التحالفات في المنطقة.

ما يجري في غزة والضفة الغربية اليوم قد يشكل نقطة انعطاف جديدة، تفرض واقعاً مغايراً لما أرادته التسويات السابقة.

وفي الجهة الأخرى، يشهد المحور الإيراني – الإسرائيلي – الأميركي تفاعلات معقدة، تُدار بحذر، وتُرسم وفق قواعد جديدة، هدفها منع الانفجار الشامل، مع استمرار الضغط والتنافس الخفي.

لكن الحدث الأهم الذي يمكن أن يغيّر خارطة الطريق في الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة هو التحوّل الاقتصادي والتقني في الخليج العربي.

فالمشروعات العملاقة مثل "نيوم" و "المدينة الذكية" في الإمارات، والربط الاقتصادي بين السعودية ومصر والأردن والعراق، تُشكّل ملامح محور تنموي جديد يوازن بين الشرق والغرب.

إنها مرحلة "ما بعد النفط" بكل ما تحمله من تحديات وفرص.

ومن جهة أخرى، لا يمكن تجاهل الدور المتنامي لتركيا ومصر في المشهد المقبل، فكلا البلدين يسعيان للتموضع من جديد كلاعبين إقليميين مؤثرين، يسعيان إلى حجز مكان متقدم في منظومة الشرق الأوسط الجديد، بين واشنطن وموسكو وبكين.

السنوات الخمس المقبلة ستكون حاسمة؛ فالعالم يتجه نحو تعددية قطبية، والشرق الأوسط سيجد نفسه مجبراً على التكيّف مع هذا الواقع الجديد.

النفوذ لن يكون لمن يملك السلاح فقط، بل لمن يملك الرؤية والقدرة على صناعة المستقبل.

في المحصلة، يمكن القول إن الشرق الأوسط لا يسير نحو الفوضى كما يظن البعض، بل نحو إعادة ترتيب عقلانية مدروسة، تشارك فيها العقول قبل الجيوش، والمصالح قبل الشعارات.

وإن من يدرك هذا التغيير مبكراً، ويتهيأ له بذكاء، سيكون هو المستفيد الأكبر من ملامح الخريطة المقبلة.

كاتب سعودي

آخر الأخبار