معالي وزير التربية جلال الطبطبائي، أحسنت صُعناً، وأوفيت بالوعد بمحاسبة كل من ارتكب مخالفة بالنسبة إلى طباعة الكتب المدرسية.
فالوزير الناجح، الشفاف، هو من يضع مصلحة دولته نصب عينيه، ولا يترك المخالفين في وزارته يسرحون ويمرحون، لأنه يعلم أن هؤلاء معول هدم، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بالتعليم الذي هو أساس نهضة الدول، فأي فساد فيه، مهما كان صغيراً، يتحول إلى كارثة للأجيال.
نعم، معالي الوزير، إن اختيارك لجنة محايدة، بهذا المستوى الرفيع أكان من أعضاء في الفتوى والتشريع وجهات أخرى، يدل على مدى حرصك على ألا تكون هناك أي ثغرة تفسد التحقيق، لأنك تسعى إلى إعطاء كل ذي حق حقه، كذلك فإن هذه اللجنة تكون قادرة على المحاسبة من دون أي اعتبارات خاصة، لأنه إذا كانت داخلية من العاملين في الوزارة يمكن أن يغطي البعض على مخالفين، أو يقدموا مبررات لهذا أو ذاك، ما يعني في النهاية ضياع الحقيقة.
تدرك معاليك أن تأخير تسليم الكتب يؤثر في العام الدراسي، ويجعل التلاميذ والطلبة يقعون تحت عجز تلبية المطلوب منهم، فيما الكتب غير منجزة.
رغم ذلك، حرصت على انتظار إنجاز الكتب في الوقت المحدد، حتى تبدأ المحاسبة، لكن التأخير وقع، وبالتالي أصبحت المحاسبة ضرورية، إذ بعد فرض شروط تعجيزية على المطابع الأخرى، ذهبت المناقصة إلى من ليس أهلاً لطباعة هذه الكمية من الكتب، وهذا ما حذرنا منه بداية.
ثمة أربع مطابع ضخمة، كانت تنجز الأعمال الموكلة إليها في الوقت المحدد، وتسلم الكتب في موعدها، بل أحياناً قبل الموعد، لكن من وضع العراقيل أمامها، وخطّط لهذا عمل في ليل دامس، وجعل المسألة كيدية، إذ كيف تُستبعد مطبعة تطبع منذ نحو أربعين سنة الكتب المدرسية، والسبب طريف جداً، لأن عليها غرامة "دينار واحد"! وكذلك مطبعة أخرى عليها "ثلاثة دنانير وخمسة وسبعون فلساً"، وهي أيضاً رسوم، فيما من رسا عليهم العطاء مرهونة أصولهم!
معالي الوزير، لن ندخل في تفاصيل كثيرة تعلمها، ولن نعيد من نشرته الصحف، ومنها "السياسة"، لكن لا يمكن أن تحوز مطبعة صغيرة 46 كتاباً، من أصل 115 ممارسة، فيما ليست لديها إمكانية إنجازها، وتكون حصتها ما يزيد على أربعة ملايين دينار من العشرة ملايين المخصصة للطباعة، وحصلوا عليها بسعر أعلى!
في مجال آخر، إن الحجج التي جرى على أساسها استبعاد المطابع الضخمة، وبعد إرساء الممارسة عليها، لا تستقيم مع حقيقة القانون، فعلى سبيل المثال، الشركة التي رسا عليها بناء المطار، أو غيرها من الشركات العاملة في مشاريع ضخمة، أليست عليها مطالبات، وحقوق عمالية وضرائب وغيرها، فلماذا لم يجر توقيف عملها؟
الجواب بسيط جداً، وهو الممنوع من الحصول على المناقصات فقط من عليه حكم تصفية.
نعم، هناك شوائب جرت، ومعاليك وضعت حداً لها، وهذا بحد ذاته ميزان العدالة في مسألة تتصل بالأجيال، فيما أنت اختصاصي في هذا المجال، وتعرف ماذا يعني تأخير تسليم الكتب المدرسية في الموعد المحدد، لذلك نقولها مرة أخرى: شكراً معالي الوزير على هذه الخطوة الكبيرة، والشفافية التي تعاملت بها مع موضوع مهم من هذا النوع.
أكثر من ذلك، لقد أظهرت "الخمام" في المناقصات، وكل ما نتمناه أن تسلك الوزارات الأخرى مسارك، ويحال كل من ثبت تورطه إلى النيابة العامة.
(باريس)