الصمت حالة مفزعة، وظاهرة سياسية مخيفة في المجتمعات، والأنظمة الديمقراطية، فالعمل السياسي المشروع يستمد قوة تطوره من مناخ الحريات، والحوار، وتبادل الرأي، واحترام الرأي الآخر، وعدم الخروج عن الإطار القانوني للنقد المباح، وتحديد مكامن الخلل، وسبل التطوير، وصياغة الحلول.
ليس هناك عاقل في الكويت لا يلهج بالحديث، والتفكير عن التطور السياسي، والديمقراطي، والمحافظة على المكتسبات الدستورية من دون المساس بذات من يقف مع أو ضد الديمقراطية، أو متحفظ على الماضي النيابي، والوزاري العليل.
إن المبالغة في توصيف أمور لم تحدث فعلياً، تتناقض مع الوقائع، والتحديات، والتمنيات الحقيقية نحو مستقبل ديمقراطي واعد، وكسب الوقت لتحقيق الانتصار في المحافظة على تاريخ الديموقراطية الدستورية، وتطويرها بـ"المزيد من ضمانات الحرية والمساواة"، كما نصت عليه المادة الدستورية 175.
من المهم للغاية إدراك مفهوم الجمهور، وهو الشعب، أو المجتمع، سواء كان حشداً جماهيرياً، كميا أو بصريا من كل شرائح المجتمع، ومكوناته، والنخب السياسية، والفكرية، من دون استثناء أو إهمال فئة الشباب المفعمة بالحماس، والإبداع، والانفعال كطبيعة بشرية، وحالة سلوكية.
الإنسان بطبيعته، وخصوصاً العادي، وكذلك المثقف، والمهتم الناضج الذي يعيش محافظاً على استقلال الرأي، وشغف الحوار، وليس العيش كالقطيع في المجتمع المتحضر، يظل متسائلا، وليس مشاغباً عن مآلات المستقبل، بحكم أن المجتمع شريك أساسي في التنمية، والتطور السياسي، والاجتماعي، والثقافي.
ببساطة، كثيرون يدركون المحظور القانوني، ويلتزمون في الحدود القانونية على حين يفضل آخرون أو يميلون بإرادة، وبصيرة، وقناعة أو بعفوية شديدة إلى المناقشة في الوضع الحالي، بعد حل مجلس الأمة، وتعليق بعض مواد الدستور.
التفاهة قد تقود إلى تعبيرات غير حصيفة، ونظرات سطحية للأمور السياسية المعقّدة، والأوضاع المتورمة بالأحداث، أو تراكم الاحتقان، بسبب غموض بعض السياسات الحكومية، وغياب حملة توعوية وطنية تعزز الشراكة بين المجتمع والدولة.
الأفراد، أو مجموعة، صغيرة أو كبيرة، جميعهم شرائح مؤثرة في المجتمع، وتتأثر في الوقت ذاته بحالة الضبابية، واستئثار أطراف من المجتمع بحيز كبير من التعبير، والتحريض ضد الديمقراطية، وإثارة العنصرية، وهو استفزاز سياسي، واجتماعي مباشر لشرائح أخرى في المجتمع.
ليست هناك شريحة اجتماعية، أو مجموعة شعبية، تملك حق مصادرة حريات الآخرين، وقناعاتهم، ولا تملك شرائح وفئات أخرى صكوك تحصين الصواب المطلق، ولا تحصين الرأي المغاير، سواء كان مع الديمقراطية، أو ضد نماذج التهجين السياسي.
الجمهور لا ينتظر ولا يتمتع بالصبر إذا شعرت شرائح المجتمع بالتهميش، او العيش في ظل المبهم السياسي، والثقافي، لذلك تتعاظم المسؤولية على الحكومة في تجذير التواصل مع الجماهير سواء، كانت مثقفة أو اعتيادية، لكي يكون الجميع شريكاً في الحديث، والتطوير، والتصدي لآفة العنصرية، والتدمير للمبادئ، والقواعد الديمقراطية.
الدهشة، والقلق، والصمت ليست مؤشرات على تقبل مطلق لوضع مبهم، لأن الواقعية، والشفافية، والحقيقة تساعد على عدم تجهيل الرأي العام، ولا شك أن تعزيز المشاركة الشعبية في صناعة القرارات، والسياسات، من شأنه أن يقضي على أشكال الدهشة كافة، والقلق، والصمت.