كلوروفيل
بسم الله الرحمن الرحيم "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" (صدق الله العظيم).
نتمعن في هذه الآية القرآنية لنصل الى أن كما يعطي الانسان للبيئة يأخذ منها، فالجزاء من جنس العمل، والعين بالعين والسن بالسن.
وقد فسر العلماء ذلك بنقص الخيرات والبركات، وندرة الغيث الذي أدى الى الجدب في الأرض، وزياد الامراض، وقلة المناعة، وتدهور الصحة بعامة، وانتشار الأمراض والاوبئة، لعل الناس ترجع الى التوبة بالحفاظ على البيئة.
اخترت هذا العنوان المتناغم ليشد القارئ نظرا لأهمية الموضوع وحساسيته. فكيف للهواء أن يؤثر على شدة وتركيز الذكاء، فالعقوبة تأتي من كثرة الذنوب، وما أكثر ذنوبنا على البيئة. بداية لنتفق أن البيئة، سواء البرية أو البحرية أو الجوية، هي الوسط الذي يحيط بالإنسان من مكونات حية وغير حية، يتفاعل معها، ويتأثر بها سلباً وايجاباً، جراء العمل والممارسات على مر الوقت.
أظهرت نتائج العديد من الدراسات ارتباط التعرض للهواء الملوث وتدهور الأداء الادراكي، والوظائف المعرفية، لدى جميع أطياف المجتمع، من الصغير الى الكبير على حد السواء.
وان كان لا ذنب للأطفال بالتلوث، فلنرحمهم لأنهم قادة ورجال المستقبل، وعلى أكتافهم ستنمو البيئة وتزدهر.
ان قدرة الملوثات الجوية، وتحديداً بعض الجسيمات الدقيقة، التي تصل الى الدماغ أثناء عملية التنفس عن طريق مجرى الدم، فهي تؤثر على كفاءة التركيز والتعليم واتخاذ القرارات.
ان انجاز المهمات اليومية السريعة يتطلب راحة بال، وصفاء ذهن، لكن التلوث بالإضافة الى مقاومة المشتات الحياتية يؤثر على جودة الحياة والذكاء.
احدى الدراسات الحديثة أجريت على لاعبي الشطرنج فقد قل أداؤهم، وارتكبوا الكثير من الأخطاء في البيئات الملوثة. دراسة أخرى أجريت على طلاب الجامعة من خلال شريحتين "أ"،"ب" مكونتين من اربعين تنوعت بين اناث وذكور، وزعت على قاعتين. الشريحة "أ" درست في قاعة نظيفة تحوي شبابيك عالية تدخل الشمس بشكل كامل ومباشر، والهواء نقي، وفيها نباتات عطرية.
بينما الشريحة "ب" درست في قاعة خالية من الشبابيك ذات هواء ملوث بالأصباغ، والجزيئات العضوية البلاستيكية، والامونيا، وغابت النبات عن القاعة.
وأظهرت النتائج أن المستوى الأكاديمي بين الشريحتين، بعد فحص تغيرات المزاج من خلال الاستبيان، قد تفوقت الشريحة "أ" بشكل ملحوظ، وتبين أن هناك تحسنا في ذاكرتهم ومزاجهم.
وغيرها الكثير من الدراسات التي تبين أثر السموم في الهواء، وارتباطها ارتباطا وثيقا في التأثير النفسي، وزيادة خطر الاكتئاب والقلق، وتدهور المزاج.
نطالب بحركة كبيرة تضم الحكومات والشركات لدراسة جودة الهواء، ونطالب أفراد المجتمع المدني، من مواطنين ومقيمين، بالحفاظ على الهواء.
فالحذر من الخطر المتفاقم لتلوث الهواء مطلوب، وتسريع الجهود التي تقودنا نحو بلد أكثر استدامة. ولن أقول الذهاب الى العمل باستخدام الدراجات الهوائية، لكن تطبيق المعايير البيئية والجوية التي تنقذ ما يمكن انقاذه من خلال ممارستنا الحياتية اليومية.
فرئة الانسان البالغ تتنفس نحو 11 الف ليتر من الهواء يوميا، بين أوكسجين وغازات أخرى، فلنهتم بجودة الهواء.
لقد ذقنا بعض الذي عملنا بما كسبت أيدينا، لعلنا نرجع عن طريق الإهمال والهوان، ونعود الى طريق الاستدامة... والى مستقبل أخضر مستدام ومثمر ان شاء الله.
دكتوراه في فلسفة النبات