هل لا تزال المدرسة تربي كما كانت، هل بقي للمعلم دوره، وللتربية بوصلتها، وللمعرفة رسالتها؟
هذا هو السؤال الذي أشعل داخلي شرارة كتابي الجديد: "علم التربية الرقمية – التأسيس، النظرية، التطبيق".
فقد رأيتُ كيف اجتاح العالمُ الرقميُّ كل شيء، حتى التعليم، لكنه فعل ذلك بلا قلب، بلا فلسفة، وبلا هوية.
لقد آن الأوان أن نستعيد التربية من بين أنقاض "التعليم المرقمن"، وأن نعيد للمعلم قيمته، وللمتعلم كرامته، وللمعرفة إنسانيتها.
ولهذا، لم أكتب كتاباً عن "التعليم الرقمي" كما فعل كثيرون، بل حاولتُ أن أعمل على تأسيس علمٍ جديدٍ، علمٍ يُنقذ ما تبقى من "روح التعليم" في زمن الأجهزة والمنصات، والذكاء الاصطناعي.
- ما الذي قدّمه هذا الكتاب؟
1- علم جديد، لا مجرد تقنية
"علم التربية الرقمية" ليس مجرد نقل التعليم إلى الشاشات، بل هو إطار نظري وتطبيقي يعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والتقنية، بين العقل والمنصة، بين المعلّم والمحتوى.
وليس صدفة أن يُفتتح الكتاب بفصل تأسيسي يحمل هذا السؤال الفلسفي: هل التربية ممكنة في عصر الرقمنة؟
2- المدرسة الرقمية لا تُنتج مواطناً، بل مستخدمًا!
من أهم ما تم التركيز عليه في الكتاب، هو خطر تحوّل المدرسة من صانع للوعي إلى مجرد ناقل للبيانات.
فالطفل اليوم ينشأ في بيئة رقمية تفتقر إلى التوجيه، لا تُعلّمه كيف يفرّق بين الصواب والخطأ، بل تقيّمه بما استظهره، وتقيس كفاءته بعدد النقرات لا بصدق الفهم وعمق التفكير.
3- المعلم، لا بد أن يكون رقمياً وإنسانياً في آن، يُقدّم الكتاب نموذجاً جديداً لما أسميناه "المعلّم الرقمي الواعي"، وهو ليس من يُجيد استخدام الـ"بوربوينت"، أو إنشاء محتوى.
بل من يُتقن فن التوجيه، ويحفظ توازن العلاقة بين الطالب والتقنية، ويُدرك أن دوره لا يُختصر في كونه مساعد "Google".
4- التربية الرقمية... ليست عن التعليم فقط
الكتاب لا يخاطب المعلم وحده، بل الأب، والأم، وصانع السياسات، وكل من يعيش في هذا العالم الرقمي.
إنه دعوة مفتوحة لنعيد التفكير في سؤال: من يُربي أولادنا، المنصة أم الأسرة، المعلم أم الخوارزمية، وهل لا يزال لنا يدٌ في تشكيل عقولهم؟
الرسالة التي أود قولها من خلال هذا الكتاب: نحن نعيش لحظة فاصلة في التاريخ؛ لحظة تحوّل فيها التعليم إلى منتج، والمعلم إلى مستخدم أدوات، والطالب إلى زبون دائم على المنصات.
وهذا ليس تطوراً طبيعياً، بل انحرافٌ في المسار، لن يصححه إلا أن نُعيد الاعتبار للتربية بوصفها فناً إنسانياً قبل أن تكون منهجاً تقنياً.
حين كتبت هذا الكتاب، لم أكن أبحث عن صيحة إعلامية، بل عن مشروعٍ عربي يعيد للتعليم قُدسيته، ويربط التربية بالتاريخ والهوية والكرامة.
ومن هنا جاءت دعوة "علم التربية الرقمية"، كصرخة ضمير تربوي في وجه السوق الرقمي.
ختاماً، أهدي هذا العمل إلى كل معلم صمد، وكل أبٍ قلق، وكل أمٍ تسأل: هل ما يتعلمه أبنائي على الشاشة هو ما أردته لهم حقًا؟
وإلى كل من آمن أن التقنية وسيلة لا غاية، وأن التربية أكبر من مجرد تعليم.