جاءتني دعوة من اتحاد المزارعين لاجتماع بعد تخوفهم من قرار بغلق مكائن التحلية في المزارع؛ رغم عدم وجود بديل، أو مصدر دائم لمياه الري في العبدلي والوفرة.
وقبل الدخول في صلب الموضوع اود أن أعرّج على الماضي، فلو رجعنا بالذاكرة إلى 35 عاما، ومع بداية تشغيل مكائن التحلية في مزارع الوفرة والعبدلي، نجد أن المنطقتين تطورتا بشكل كبير، وقد ساعدت مكائن التحلية بنسبة كبيرة في هذا التطور الكبير من خلال زيادة الرقعة الزراعية، بشكل يزيد على الضعف.
ويمكن لأي شخص الدخول إلى صور الخرائط لدولة الكويت ويشاهد كم زادت الرقعة الزراعية بفضل وجود مكائن التحلية. وهذا ينافي كل الكلام عن أن هناك تأثيراً سيئاً على البيئة من الناتج عن المياه عالية الملوحة، التي تخرجها مكائن التحلية؛ لأن المزارع يتعيد استخدامها لزراعة أشجار تتحمل الملوحة العالية مثل الصفصاف، والبلوبنك، ونبات البردي، ويعمل على إنشاء برك مائية؛ لتربية الأسماك التي تتحمل الملوحة العالية، مثل البلطي وغيرها من الأسماك.
إن التخوّف من وجود مياه مرتفعة الأملاح تؤثر على البيئة، والتي تنتج عند عمليات التحلية يمكن التقليل من تأثيرها من خلال بعض الإجراءات البسيطة التي يستخدمها المزارعون، ومنها شق خنادق مائية بأعماق تصل إلى متر، مغلّفة بالبلاستك الزراعي، الذي لا ينفّذ الماء إلى التربة، واستخدام المياه التي تجري فيها لري أشجار الأسوار بالمزارع، مثل الاثل والسدر والصفصاف، وحتى النخل، أو في عملية التبريد عندما يّوضع سعف النخل بدلا من كرتون التبريد بالمحميات؛ حيث تتجمع الأملاح عليها بشكل كبير.
واستخدم البعض من تلك المياه لتشكيل بحيرات اصطناعية معزولة بالبلاستك، وتربية العديد من أنواع الأسماك فيها، وفيما تبخر أشعة الشمس معظم المياه، وما يبقى من الأملاح داخل البحيرة، يمكن استخدامه لعلف الحيوانات.
وإذا تحقق حلم المزارعين بوجود قنوات للصرف الزراعي تصل إلى البحر؛ فلن يكون هناك أي ضرر على البيئة الزراعية.
ومن المشكلات التي تصاحب منع مكائن التحلية في المزارع، الطلب الهائل على المياه من مضخات المياه من خلال نقلها عبر التناكر، وما ينتج عن ذلك من تأثير سلبي كبير على الطرق، وزيادة التلوث الناتج من عوادم الشاحنات، والتكسر في الشوارع.
ومن الأمثلة الحية أن أحد المزارعين لديه مزرعة في العبدلي يجلب يوميا خمسة صهاريج ماء للمزرعة، سعة كل شحنة اثنا عشر ألف غالون، بالإضافة إلى الماء المعالج الذي تم خفض وصوله لمزرعته من خلال فريق عمل المياه المعالجة في العبدلي، بعد تسكيرها لأيام عدة بحجة أن المزرعة منسوبها الأرضي منخفض، وأن الكميات التي يحصل عليها من المياه المعالجة كثيرة مقارنة بالمزارع التي منسوبها الأرضي مرتفع.
وجرى اجراء تلك العملية في مزرعته مرات عدة، وكل مرة يتم تخفيض نسبة من المياه حتى أصبحت المعالجة شبه معدومة عنده، مما أدى به إلى زيادة عدد "تناكر" الماء من المضخات باطراد. وهو الأمر الذي ينذر بتوقف إنتاج مزرعته في فصل الصيف حتماً، نتيجة لارتفاع التكلفة، وانخفاض قيمة المبيعات من الخضراوات.
علاوة على الازدحام الشديد عند محطات التعبئة، تعبئة التناكر بالماء العذب.
مزارع في منطقة الوفرة الزراعية