تمثل عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، المعروفة اختصارا بعقود "P.P.P" إطارا تعاقديا لشراكة واسعة بين القطاعين، سواء شركات خاصة محلية، أو تحالف من بعض الشركات المحلية والأجنبية، تحت إشراف هيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
بما يشمل التمويل والإدارة وتقاسم الأرباح، والمخاطر إلى أن ينتهي المشروع بعودة الأصول إلى الدولة، أو استمرار التشغيل المشترك وفق اتفاق الطرفين.
وتعد الشراكة بنظام "P.P.P" واحدة من أهم أدوات الدولة لتنفيذ مشاريعها الحيوية، من البنى التحتية كالطرق والمشاريع الإسكانية، وبناء محطات الطاقة، دون تحميل الميزانية العامة أعباء كبيرة، إذ يعمل المستثمر على بناء المشروع على نفقته، وأن يشغله لفترة لتحصيل تكاليفه، وهامش ربحي معقول، ثم يسلمه إلى الجهة الحكومية المعنية بانتهاء مدة إدارته للمشروع.
ومع ما يوفره نظام "P.P.P" من فرص أمام الشركات المحلية والاجنبية للمشاركة في تنفيذ مشروعات كبرى، مماثلة لمشاريع "سوق المباركية" و"محطة الزور" والمشاريع الإسكانية، فأنه يتطلب في الوقت ذاته فهما دقيقا لتفاصيل قانونية وإجراءات منظمة لهذا النوع من الشراكات.
لذا فإن التمثيل القانوني الخبير بمشاريع الشراكة بين العام والخاص أمر حتمي لأي مستثمر يمتلك إمكانيات المنافسة على الدخول في هذه المشاريع الضخمة.
ومن خلال خبرتنا القانونية الممتدة مع نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وما تعاملنا معه من قضايا وفق هذا النظام من العقود، فمن هذا المنطلق نقول أن الشراكة الناجحة في عقود "P.P.P" تبدأ من عقد متوازن يحمي مصالح الطرفين، ويحقق العدالة في تقاسم المخاطر، وتغيير وضع شركات القطاع الخاص في عقود القطاع العام من وصفه كمقاول، إلى شريك ستراتيجي لتنفيذ أهداف الدولة التنموية، وخططتها الستراتيجية.
وبنظرة قانونية على ما يوفره القانون رقم 116 لسنة 2014 في شأن الشراكة بين القطاعين العام والخاص نجد انه استند إلى أسس واضحة في ما يخص التزامات الطرفين من حيث التمويل والتنفيذ، والتشغيل والصيانة، ووضع جدول زمني، ملزم لكل تلك المراحل، كما انه أعطى المرونة لتعديل بعض بنود العقد، حال تغير الظروف الاقتصادية أو القانونية.
ومن النقاط القانونية المهمة للقطاع الخاص، ما يتعلق بضمانات استثماراته وحمايتها، وكان لابد من وجود بند واضح في العقد بالنص على التعويض حال الإلغاء المبكر، أو الإخلال بالعقد من أي من الطرفين، وكذلك ضمانا للمنافسة وفق مزايدات علنية.
كما ننصح بتحديد آليات فض النزاع بإدراج بند التحكيم أو التسوية الودية حال توافق الطرفين على ذلك، على أن يبقى القضاء بطبيعة الحال المرجع الأساسي في حالة عدم التوافق على وجود شرط التحكيم.
وهناك العديد من القضايا البارزة التي حسمها القضاء في هذا الشأن، من بينها قضايا حصلنا فيها على أحكام قضائية لصالح المستثمرين، كانت بمثابة علامة فارقة، أسهمت في إنهاء الخلاف حول رؤية القانون وتفسيره، وساهمت في إرساء مبادئ قانونية، وسوابق قضائية يستند إليها المستثمر لحفظ كامل حقوقه في المشاريع، التي يتم طرحها عبر الهيئة العامة للشراكة.
وفي مقابل وضوح حقوق المستثمر في عقد الشراكة، لابد أن يحتفظ القطاع العام ممثلاً عن الدولة المعنية بالمشروع بحقوقها أيضا من خلال عقد يحقق التوازن المالي، بين العائد العادل للمستثمر وبين تكلفة الخدمة على الدولة والمواطنين.
وعلينا أن نشير هنا إلى أن القانون الكويتي قد وضع لكل من هذه المراحل منظومة دقيقة للحوكمة والشفافية، والتزامات صارمة تتعلق بالتمويل، الضمانات وتوزيع المخاطر.
وفي ظل هذا الوضع القانوني الدقيق، فإن جاهزية المستثمر هنا لا تقتصر فقط على الجاهزية المالية، وتوفر الإمكانيات الفنية والإنشائية لإتمام المشروع، إنما تتعلق أيضا بالقدرة على قراءة المشهد القانوني بعمق، وضمان حماية مصالح الشركة عبر مراحل شراكتها الطويلة، وعلاقتها الممتدة مع الحكومة، وبما يتوافق مع قوانين أخرى ذات صلة، أثناء تنفيذ العقد، وضمان الإمتثال القانوني الصحيح للقوانين واللوائح المتعلقة بأعمال المشروع.
وفائدة التمثيل القانوني المختص للإشراف على إدارة العقد من الناحية القانونية أثناء تنفيذ أعماله، بما يضمن للمستثمر قراءة دقيقة للمخاطر، وتضمين ضمانات قانونية كافية، ووضع آليات فعالة لتفادي المشكلات وتقليل المخاطر.
ولا يقتصر دوره فقط على تسوية المنازعات، بل يتيح للشركات بناء علاقة قائمة على الاستقرار القانوني مع الجهات العامة، وهو ما يشكل أساسا لأي شراكة ناجحة ومستدامة.
محام كويتي