نشرت الصحف تقارير عن تراجع الإنفاق الاستهلاكي في البلاد خلال الأشهر التسعة الماضية، أصدرتها جهات رسمية، منها البنك المركزي.
بادئ ذي بدء، إن الأمر طبيعي ومتوقع، لأن القرارات الحكومية الأخيرة لم تواكب الحركة الاقتصادية، ولا تزال تتعاطى مع المسألة على أنها أمر عادي.
في المقابل، فإن التراجع وفقاً للأرقام يعني بداية مشكلة، يمكن معالجتها بسهولة، كي يستعيد الإنفاق حيويته، وهذا يبدأ من وقف القرارات التي أثرت في الحركة الاقتصادية، كإيقاف الرخص، وسحب القسائم وكذلك بعض مشاريع الـ"B.O.T" التي هي في الأساس المحرك الطبيعي للإنفاق المحلي.
فمن المعروف عالمياً أن هناك طرفين للإنفاق الستراتيجي، الاستثمارات المحلية والأجنبية، والدولة هي المنفق الكبير، لأنه من خلال مشاريعها تحرك الأسواق، وتشجع الناس على الاستهلاك، وليس متابعة كل مخالفة مهما كانت صغيرة من أجل وقف العمل بالمشروع، فذلك يؤدي إلى الخوف من المستقبل، ما يجعل المستثمر يُحجم، وكذلك المواطن، عن صرف المال.
هنا نتوقف عند مفارقة، وهي البيانات عن شراكات ستراتيجية مع دول كبرى، بينما في المقابل هناك انخفاض في الإنفاق، علماً أن هذا النوع من المشاريع الكبرى يحتاج إلى المزيد من المشاركة بين القطاعين العام والخاص، كي يؤدي كل طرف دوره.
لا شك أن هذا يحتاج إلى مرونة في الإجراءات، وتشجيع المواطنين على استغلال الفرص المتاحة للعمل على تحقيق الفوائد، وليس كما أسلفنا في مرات سابقة، عرقلة أعمال المستثمرين عبر قرارات يبدو أنها ارتجالية، وقد أثرت سلباً على المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي هي حلقة الوصل الطبيعية بين الدولة والمشروعات الكبرى والمستهلك، لا سيما أن هذا القطاع لا يزال يكافح من أجل استعادة عافيته بعد الأزمة التي عانى منها خلال جائحة "كورونا".
في هذا الشأن، ثمة الكثير من الحلول المساعدة على الخروج من المشكلة المستجدة، من أهمها التخفيف من قرارات وقف الرخص، وعدم سحب القسائم، بل التشجيع على الاستثمار أكثر فيها، كذلك الإفساح أمام المستثمرين، المحليين والأجانب، كي ينفقوا على مشاريع يمكنها توفير سيولة، لأن ذلك مع الإنفاق الحكومي يعزز النشاط التجاري والعمراني والخدماتي.
صحيح أن التنظيم ضرورة، لكنه يأتي على مراحل وليس فجأة، كما جرى في الآونة الأخيرة، ما أثر على الحركة التجارية والصناعية، وحتى الزراعية، فالازدهار يبدأ من تأمين مقومات الاستقرار، خصوصاً تشجيع الناس على الإنفاق، وإيجاد المحفزات كي يعمل المستثمر والمواطن بحرية ومن دون عراقيل، وأساس هذا تبادل المنافع بين الدولة والناس، الذي يسهم في توسيع القاعدة الاستثمارية، ما يؤدي إلى نمو اقتصادي مستدام وشامل، وإنشاء مشاريع جديدة، تؤمّن زيادة فرص العمل، وكله يصب في المزيد من الإنفاق الاستهلاكي.
كذلك إن هذا يصب في مصلحة الدولة التي تجبي الضرائب والرسوم، وبالتالي المزيد من الازدهار.