يعد يوم الأربعاء أحد أهم الأيام السياسية والبرلمانية والإعلامية في بريطانيا، وهو أشبه بعواصف اسئلة مغلظة، وحوار خشن، ومناورات ذكية، ومناوشات حادة، ونظرات سميكة بين الحزب الحاكم والمعارضة، في مجلس العموم البريطاني.
ولأهمية يوم الأربعاء بالنسبة للقواعد الانتخابية، ووسائل الإعلام البريطانية، تحرص هذه الأطراف على متابعة وحضور جلسة المساءلة المغلظة، وقسوة الحوار، ومنازلة لغوية، وسياسية، من جانب الحكومة ممثلة برئيس الوزراء كير ستارمر، رئيس حزب العمال، وحزب المحافظين، أي الحزب المعارض، ونواب الأحزاب الأخرى.
رئيسة حزب المحافظين التي تقود المعارضة السيدة كيمي بادينوك وهي من أصل نيجيري، برهنت على قدرات المواجهة الشرسة، وذاكرة سياسية، وحزبية حديدية، كلما حل وقت المنازلة البرلمانية كل يوم أربعاء، فالخصم وهو حزب العمال ورئيسه ستارمر، وهو أيضا صاحب خبرات متراكمة، وصاحب جولات من الحروب الإعلامية، والمنافسة السياسية مع حزب المحافظين.
بريطانيا ليس لديها دستور مكتوب منذ قيام البرلمان بشكله الحالي في العام 1707، لكن عملية تطوير وتحديث الدستور مستمرة إلى يومنا هذا، وجلسات الأربعاء والصدام السياسي، والبرلماني، يساعد الأطراف كافة على تحديث الإطار الدستوري، واللائحة التنظيمية، التي أصبحت مرجعاً أشبه بالقاموس البرلماني لكل الممارسات، والإجراءات البرلمانية.
ناقش مجلس العموم البريطاني اخيراً مقترحات لأكثر من نائب، ومعظمهم من الحديثين في مهماتهم البرلمانية، وليس من المخضرمين في السياسة والعمل البرلماني، بشأن "التصويت الإلكتروني" وغيره من وسائل، وهو ما يعكس تأثر بيئة النواب الجدد، والفئة العمرية، لكن البرلمان لم يوافق على التصويت الإلكتروني، ولا غيره.
وجد البرلمانيون، وكذلك السلطة الرابعة، الإعلام، التي تعتبر مؤثرة للغاية في مسار العمل السياسي، والبرلماني، والحزبي، أن التصويت يجب أن يكون في القاعة، وأمام الشعب، أي القاعدة الانتخابية، أو حتى المراقب العادي، حفاظاً على تاريخ الديمقراطية في بريطانيا.
تشتبك الحكومة، أي الحزب الحاكم، مع المعارضة في البرلمان، وينتج عنه صدام سياسي، وإعلامي حاد، لكن هذا لا يعني ذلك عداوة بين النواب والوزراء داخل أروقة ودهاليز مجلس العموم، ومجلس اللوردات.
الزميل المخضرم عادل درويش له الشكر على نشر مقالة في صحيفة "الشرق الأوسط" الدولية بعنوان "الإصلاحات في أم البرلمانات"، حيث سرد فيه تفاصيل دقيقة، عن جلسات الأربعاء، وأهميتها في الحياة السياسية، والبرلمانية في بريطانيا، وملاحظاته عن كثافة الحضور الصحافي، أو قلته حين تناقش موضوعات مهمة للغاية كما حدث في جلسة "الإجرائيات البرلمانية".
حكاية طريفة تذكرتها، وانا أقرأ المقالة عن أم البرلمانات، وهي تخص قيادي في صحيفة كويتية حضر جلسة الأربعاء، وأراد التعبير عن طبيعة الجلسة حين وصفها بـ"يوم الشواء"، وهي ترجمة غير دقيقة لما يطلق بالإنكليزية عن هذا اليوم" Grilling day "!
طبعا الواضح أن الكاتب الكويتي ليس صحافياً محترفاً، ولا يملك حساً مهنياً، ولا خبرة سياسية، لذا وجد التعبير الأقرب لمعدته، وليس عقله عن "الشواء"!
"عرب وين طنبورة وين"... تذكرت المثل المشهور، حين قرأت عن "يوم الشواء" في مجلس العموم البريطاني كل أربعاء، وهو تعبير مناسب للمطاعم المتخصصة في تقديم المشاوي، وليس المساءلة البرلمانية المغلظة!