الحديث عن سمو الشيخ ناصر المحمد متشعب في جوانب كثيرة، لأنه مدرسة في السياسة والديبلوماسية، ومن الشخصيات التي لا تكل ولا تمل من خدمة الكويت، في أي موقع كان، لهذا تميز بكونه رجل دولة من الطراز الرفيع، يعمل بهدوء، وحكمة وصبر في الوقت نفسه، ولا يمكن أن يغمط الناس حقها، ورغم الكثير من الظلم الذي ناله من خصومه السياسيين الذين لم يتركوا اتهاما إلا وألصقوه به، حين كان مجلس الأمة يسيطر على الدولة، إلا أنه كان يترفع عن المعاملة بالمثل.
عجينة سموه مجبولة بتعدد المشارب الثقافية واللغات، وهو ديبلوماسي محنك بالفطرة، لذا أدار المهمات التي تولاها بكل اقتدار، ما جعله الشخصية الإقليمية الأكثر حضوراً في المحافل الدولية، لهذا حين ينال أحد الأوسمة، فذلك يكون عن جدارة.
منذ البدايات امتاز بالتفاني والإخلاص للمهمات التي أُوكلت إليه، فالجميع يذكر دور سموه الكبير خلال الغزو العراقي للكويت، وإطلاقه "إذاعة الكويت" من الخفجي، وكيف أبرز الدور الوطني في الداخل والخارج، وعمل بكل حكمة على مجابهة الأزمة حين كان وزير دولة للشؤون الخارجية في أشد الفترات حرجاً في تاريخ البلاد.
أذكره جيداً في المواجهات السياسية التي حاولت بعض الجماعات النيابية النيل من هيبة الحكم، من خلال التصويب على شخصه، لذلك كان رده الحكيم في ساحات القضاء، وليس بالمهاترات التي عم ضجيجها البلاد حينها، لإدراكه أن الحق لا يمكن تغطيته بغربال، وأن القضاء النزيه وحده من يحمي الأنقياء من دنس محاولات مشبوهة، كان الهدف منها، كما أسلفنا، النيل من شخصيات معينة علها تستطيع النفاذ إلى مآربها الدنيئة.
ناصر المحمد دخل رئاسة مجلس الوزراء بقلب مفتوح، فمد اليد إلى الجميع للتعاون، لأن الهم الأساس لديه خدمة الكويت، ولا فرق عنده بين مواطن وآخر إلا بالانتماء الوطني، فالجميع سواسية، ولكل منهم حرية الرأي بما لا يتعدى حدود القانون، فإذا خرج القول عن المقبول كان ذلك تعدياً على حرمات جوهر الانتماء.
كذلك خرج من الرئاسة نقي الكف والثوب، ورغم العواصف الظالمة التي هبت من خصومه السياسيين، إلا أنه لم يقطع شعرة معاوية مع أحد، فهو موجود في كل المناسبات الاجتماعية، بالأفراح كما في الأتراح.
فقناعته أن الخصم السياسي ليس عدواً، بل هو خلاف في الرأي، كما أنه يعمل بالآية الكريمة "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"، ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح، مصداقاً لقوله تعالى: "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ".
لهذا سموه شخصية محبوبة من الجميع في الكويت، وله حضوره في عالم الديبلوماسية، من هنا فإن نيله وسام الشمس المشرقة، الأقدم والأعرق في العالم، كان لعمله الدؤوب في تقريب وجهات النظر بين الكويت واليابان، فسمو الشيخ ناصر المحمد من الشخصيات التي تأتي إليها الأوسمة، وليس من يذهب إليها.