صراحة قلم
الكل يعلم ان القبيلة وجدت على هذه الأرض قبل ان تنشأ الدول، مصداقا لقوله تعالى في "سورة الحجرات الآية 13"، "يَا أَيُّهَا النَّاسُ انَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ان أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ان اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
وعندما هاجر نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) الى المدينة المنورة لإنشاء أول دولة بالمفهوم السياسي، والتي تتكون من شعب وأرض وموارد مالية، كانت أول خطوة صحيحة لإنشاء هذه الدولة انه خاوى أولا بين الأوس والخزرج، وهم من سكان المدينة، ثم خاوى بين المهاجرين، وأغلبهم ينتمون الى قريش مع الأنصار، ووضع الصحيفة التي اعتبرت أول قانون، أو عقد مدون يوضح ما على الشعب، وما على ولي الأمر من حقوق وواجبات.
فهو أراد بهذا العمل توحيد هذه القبائل داخل كيان جغرافي، له قوانينه المستمدة من الشريعة الاسلامية، بعد ان وحدهم من قبل تحت راية "لا اله الا الله محمد رسول الله"، دون ان يمسح الهوية القبلية من أبنائها، بل إنه صلى الله عليه وسلم، جعل المفاضلة بينهم بالتقوى فقال: "يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وأن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر الا بالتقوى، أبلّغت؟ قالوا: بلّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وفي العصر الحديث نجد أن الدول التي احتوت القبائل في حدودها الجغرافية نجحت في فرض الاستقرار، ونشوء الدولة نشأة صحيحة، بعكس الدول التي حاولت ان تواجه القبائل، وتمسح هويتها القبلية.
وقد شاهدنا في الكثير من الاحداث السياسية التي جرت في العالم العربي عندما حس أفراد القبيلة بالخطر من تصرفات بعض الحكومات التي بدأت تعاديهم وتهاجمهم، فبدأوا بالتوحد والرجوع الى الانتماء القبلي، كونهم يجدون أن رجوعهم الى هذا الانتماء، والتوحد كفيل بحمايتهم من معاداة الحكومات لهم.
وعندنا في الكويت نجحت الحكومة منذ نشأتها باحتواء القبائل والعوائل داخل الدولة، وأصبح ولاء هذه القبائل والعوائل بفضل تعامل الحكومة معها للكويت فقط، مع بقاء الهوية القبلية دون ان تمس.
لكن للأسف هناك من يحاول ان يخلق فجوة بين القبائل وبين الحكومة، فهناك تصرفات وتصريحات من البعض في قنوات التواصل الاجتماعي تحاول خلق جو من العنصرية، باستهدافها أبناء القبائل، سواء أكانت هذه التصرفات والتصريحات بتعمد منهم، أو بسوء تقدير واستهتار.
نعيش في منطقة ملتهبة، تعصف بها الصراعات الدموية، ونحن ولله الحمد نعيش في أمن، وأمان، واستقرار، ورغدا من العيش، يحسدنا للأسف عليه الكثير من شعوب العالم، فلا نقوض هذه النعمة، بفعل بعض السفهاء، ومحاولتهم جر أبناء القبائل لمواجهة الدولة، لأننا نعيش في مركب واحد، فإن غرقت – لا سمح الله – غرقنا كلنا، لأننا شعب واحد.
فنرجو من الحكومة، ومن رجال الكويت العقلاء، سواء من أبناء القبائل أو العوائل، ان يضربوا بيد من حديد لكل من يحاول المساس بمكونات المجتمع، وبخاصة من يحاول التطاول على أبناء القبائل، سواء أكان مواطنا عاديا، أو صاحب منصب، حتى لا تنزلق الدولة في مستنقع نداء الجاهلية التي حذر منها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما كَسَعَ رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري: "يا للأنصار"، وقال المهاجري: "يا للمهاجرين"، فقال: "ما بال دعوى الجاهلية"، ثم قال: "دعوها فإنها منتنة".
@al_sahafi1