في صباحٍ يابانيٍّ مهيب، تقلّد سمو الشيخ ناصر المحمد الأحمد الجابر المبارك الصباح وسام "الوشاح الأكبر لوسام الشمس المشرقة"، أرفع وسامٍ تمنحه اليابان لغير مواطنيها، منذ أكثر من قرنٍ ونصف القرن.
لم يكن ذلك تكريماً بروتوكولياً عابراً، بل اعترافاً يابانياً بدور الكويت الإنساني والديبلوماسي، وبشخصٍ جسّد مدرسة الحكمة والعمل الهادئ في زمنٍ يزداد فيه الصخب.
يُعدّ وسام الشمس المشرقة (Order of the Rising Sun) أقدم وسام ياباني، أُنشئ عام 1875، ويُمنح سنوياً في ست درجات متفاوتة. وتُعلن وزارة الخارجية اليابانية قوائم المكرّمين مرتين في السنة، وتضم عادةً ما بين 80 و150 شخصية من أكثر من 40 دولة.
ورغم هذا العدد الكبير، فإن الدرجة العليا منه- الوشاح الأكبر (Grand Cordon) - لا تُمنح إلا للنادرين. ومن بين العرب، لا يتجاوز عدد الحاصلين عليها أربعة فقط، من بينهم الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، واليوم، ينضم الشيخ ناصر المحمد إلى هذه النخبة، فيُضيف إلى اسم الكويت بريقاً جديداً في سجلّ الديبلوماسية العالمية.
جاء الترشيح بعد مراجعة دقيقة من الحكومة اليابانية، استندت إلى دوره البارز في تعزيز العلاقات الكويتية-اليابانية، وإلى موقفه التاريخي عام 2011 حين ضرب زلزال وتسونامي مدمّر اليابان، فبادرت الكويت- بقرار من سموه- إلى تقديم خمسة ملايين برميل نفط خام هدية للشعب الياباني لتجاوز أزمة الطاقة.
تلك المبادرة لم تكن اقتصادية فقط، بل كانت رسالة إنسانية عزّزت الثقة بين البلدين، حتى وصفتها طوكيو أنها "أكبر مساهمة من نوعها"، وأشارت إليها وزارة الخارجية اليابانية عند إعلان منح الوسام هذا العام.
ولأنّ الكبار يقرأون التكريم بعيون الشعوب لا الأفراد، قال الشيخ ناصر عقب المراسم: "الوسام تقدير للكويت ونهجها الإنساني في العالم".
بهذه العبارة لخّص فلسفة ديبلوماسية كاملة: أن العمل الصادق أبلغ من الأضواء، وأن الاعتدال قيمة لا تُقدّر بالأوسمة.
وفي قاعة "ماتسو-ذو-ما" في القصر الإمبراطوري، التقت شمس اليابان المشرقة بشمس الكويت المضيئة في مشهدٍ رمزيٍ نادر؛ تكريمٌ لزمنٍ من التعاون، وتقديرٌ لوطنٍ ما زال يزرع الخير ويحصد الاحترام.
فاليابان لم تكرّم شخصاً بقدر ما كرّمت مسيرة دولةٍ آمنت بأن الإنسانية والديبلوماسية جناحان لا ينفصلان.
إن وسام الشمس المشرقة ليس زينةً تُعلّق على الصدور، بل لغة شكرٍ بين الأمم تقول إن الاحترام يصنع ما لا تصنعه القوة.
ولعلّ أجمل ما في هذا الحدث أنه يُعيد التذكير أن الكويت، رغم صِغَر مساحتها، قادرة على أن تكون كبيرة بأفعالها ورجالها.
فقد حمل سمو الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح شمس الكويت إلى طوكيو، فردّتها اليابان على طريقتها: وشاحاً من النور على كتفيه.