في خضم مشاهد تضخم الوعود الحكومية، مقابل تواضع التنفيذ الفعلي، كثيراً ما أستعيد تعليقاً قاله لي خبير أجنبي: "يبدو أنه لا يوجد قطاع أكثر نشاطًا بعد النفط في الكويت من قطاع الوعود. فالوعود عندكم خط إنتاج متكامل، له أيدٍ عاملة ومحطات تغليف وشاحنات توزيع".
أصبح من الشائع أن تتحول النية المعلنة إلى حدث قائم بذاته، يستحوذ على الأضواء بموجة من التهاني. وهنا تكمن المشكلة. فالاحتفاء يسبق الإنجاز، في مشهد يكرّم الوعود لا تحقيق الأهداف.
ومع اقتراب موعد التنفيذ الذي جرى الترويج له بثقة، يبدأ مسلسل تبرير عدم التنفيذ: ميزانية تتأخر، وصلاحيات تتضارب، وشركة منفذة تنسحب، ليتحول المسؤول إلى ضحية يتغطّى بمعوقات داخلية، وحروب صامتة، وظروف قاهرة ليبرر فشله.
فهل يتوقف سيل الوعود؟
لا، بل يتجدد ويتكاثر، وكأن مجلس الوزراء يشتري الوقت بالتصريحات، ويؤجل المواجهة بالتطمينات.
وللإنصاف، هناك إنجازات متناثرة تستحق الثناء، لكنها تبقى محدودة التأثير، إذا ما قورنت بحجم وتعقيد الإخفاقات المتراكمة.
ومن أبرز الأمثلة على اتساع الفجوة بين القول والعمل، ملف الاستثمار الأجنبي. فالتصريحات حول تحسين بيئة الاستثمار لا تتوقف، لكن السؤال الجوهري مازال بلا جواب، وهو:
ماذا عن الشركات التي جاءت ثم غادرت، هل تم الاستماع لأسباب نفورها من السوق المحلية، وإذا كانت شركات كبرى قد قررت المغادرة، فبأي منطق نفترض أن الشركات الجديدة ستبقى؟
هل تكمن المشكلة في التشريعات، أم في منظومة تنفيذية لا تحسن فن التعامل مع المستثمرين الأجانب؟
ورغم التصريحات الحكومية المتكررة، فإن جوهر المشكلة لا يزال كما هو. وأكاد أجزم أن مشروع إعادة الهيكلة الذي طرحه مجلس الوزراء، لن يرى النور ما لم يُرفَق ببرنامج زمني واضح، وأهداف محددة ومعلنة.
فالحكومة التي بدأت بالفعل ببناء بنية تحتية رقمية وتكنولوجية، لا يمكنها أن تتحرك في غياب هيكل إداري يواكب هذا التحول حتى تنتقل الوعود الكبرى إلى التزامات قابلة للتطبيق.
إن وجود فريق تنفيذي داخل مجلس الوزراء يعرف كيف تُدار المشاريع، وتُتابَع حتى تكتمل، ضرورة لا ترف. ولأن الحديث عن الكفاءة قد يُساء فهمه أحياناً، فمن المهم توضيح نقطة أساسية، وهي أن النقد هنا لا يمسّ ذمم القيادات التنفيذية، فالغالب الأعم منهم مشهود له بالدماثة، وحسن الخلق.
ومع ذلك، هناك مشكلة موازية لا تقلّ أثراً، وهي الخشية المفرطة من اتخاذ أي قرار، والتي تُفضي إلى عزوف بعض الوزراء وكبار المسؤولين عن اتخاذ إجراءات واجبة خشية المساءلة، أو سوء الفهم، حتى في الحالات التي يكون فيها القرار اجتهاداً مشروعاً استند إلى معطيات واقعية، ودراسة مناسبة لتحقيق المصلحة العامة.
ولهذا، ليس المطلوب أن يتصرف مجلس الوزراء وكأنه مُنزّه من الأخطاء، بل المطلوب أن يُقِر ويعترف بالصعوبات التي يواجهها، وبحجم التحديات التي تقف أمامه.
فالاعتراف بالمشكلة نصف الحل، وهو السبيل لتفادي مزيد من الإخفاقات، مهما تجمّلت البيانات، واتسعت المانشيتات التي تروّج لإنجازات لم تولد بعد.
المطلوب هو مواجهة المشكلات وتفنيدها بما يواكب الواقع، لا إنكار وجودها.