الثلاثاء 18 نوفمبر 2025
25°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
من الفحم إلى النفط إلى الهيدروجين
play icon
كل الآراء

من الفحم إلى النفط إلى الهيدروجين

Time
الاثنين 17 نوفمبر 2025
د.بدر عثمان مال الله

هل سيبقى النفط سلعة ستراتيجية، أم سيتراجع كما تراجعت "حقبة الفحم"، وهل هذا سؤال في محله، ويمكن أن تدعمه التطورات الحالية في الطاقة والإنتاج؟

هذه أسئلة مهمة والإجابة عليها أهم. ففي تقرير لوكالة الطاقة الدولية، وعبر دراسة تحليلية مبنية على البيانات، أن الطلب على النفط سوف يبلغ ذروته عام 2030، ثم لا يلبث أن يتراجع لتحل محله تدريجيا مصادر الطاقة البديلة.

ومثلما انتقل الاقتصاد العالمي من الفحم إلى النفط، والسفر من العربات إلى الطائرات، والتلفاز من الأسود والأبيض إلى المُلوَّن، سينتقل الاقتصاد العالمي من النفط إلى مصادر جديدة للطاقة. إنها سمة التاريخ وتطور حال البشر، والتاريخ وحركة البشر لا يعودان إلى الخلف.

بدأ الأمر بالحديث عن الاستدامة والحفاظ على البيئة ومكافحة الانبعاثات الكربونية، وامتلأت الدنيا بالمؤتمرات والمنتديات، الدولية والإقليمية، وما لبث الأمر أن تحول إلى جهود لإعادة هيكلة نظام الطاقة العالمي، والتحول من هيمنة الوقود الاحفوري إلى نظام للطاقة النظيفة مبني على المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة، أي إعادة تموضع موازين القوى في الطاقة العالمية من ثقلها التقليدي(النفط) إلى ثقلٍ صاعدِ "الطاقة النظيفة".

إن انخفاض تكاليف توليد الطاقة الشمسية والرياح يجعلها أكثر تنافسية من الوقود الإحفوري، ومع تقدم التكنولوجيا، والمزيد من قوانين وسياسات الاستدامة، ذلك يولد ضغطا على المستثمرين للتحول التدريجي من مشاريع الوقود الاحفوري إلى الاستثمار في الطاقة المتجددة.

ومع توقع انخفاض العائد على الاستثمار، ووصول الطلب على النفط إلى ذروته عام 2030، فإن جاذبية الاستثمار في حقول واستكشافات نفطية جديدة سوف تنخفض مما يدفع نحو مزيد من التحول عن النفط.

ولا يقف الأمر عند ذلك، فالمؤشرات تقول ان تكلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية انخفضت نحو90 في المئة خلال السنوات العشر الماضية، وطاقة الرياح البحرية أصبحت منافسة للغاز الطبيعي، وفي العام المنصرم تفوقت الاستثمارات في الطاقة النظيفة على نظيرتها في الوقود الاحفوري، إذ بلغت الأولى 1.8 تريليون دولار بينما كانت الثانية 1.6، وهذا تطور لم يحدث له نظير سابقا.

وفي العام نفسه، تجاوزت مبيعات السيارات الكهربائية 17 مليون سيارة، ومعظم مصانع السيارات حددت مواعيد للتحول كليا للسيارات الكهربائية؛ "فولفو" 2030، "جنرال موتورز" 2035، كما أعلن الاتحاد الأوروبي أن عام 2035 سيكون نهاية مرحلة وسائل النقل البري المسيرة بالبنزين، وإذا أخذنا في الحسبان أن قطاع السيارات وحده يستهلك 40 في المئة من الطلب على النفط في العالم، فإن تقديرات وكالة الطاقة الدولية أن عام 2030 سيشهد تراجعا تدريجيا في الطلب على النفط ستكون واقعية، وذلك مقابل ارتفاع تدريجي في الطلب على الطاقة المتجددة التي ستصبح أقل كلفة، وأكثر كفاءة اقتصادية.

وقد بدأ، منذ سنوات، سباق محموم بين الصين والولايات المتحدة وأوروبا على إنتاج الطاقة من الهيدروجين، الأزرق والأخضر، وهو لا يزال في مرحلته الأولى، وتستثمر هذه الدول اموالا في البنية التحتية اللازمة، والبحث والتطوير، وإقامة شراكات عالمية في هذا المجال.

وقد سجلت الصين تقدما ملحوظا في ذلك دفع المنافسين إلى مزيد من التركيز في هذا المجال، رغم أن إنتاج الطاقة الهيدروجينية، لا يزال باهظ التكلفة، إلا أنه، سيحدث ثورة في عالم الطاقة، والاقتصاد العالمي. ويشير تقرير لوكالة "بلومبيرغ" إلى أن التحول للطاقة النظيفة يجري على "قدم وساق" للوصول لاقتصاد أكثر كفاءة، وإنتاج أقل تكلفة، وبيئة أقل تلوثا.

لقد غيرت معطيات الحديث شكل الاقتصاد العالمي، وحولت اتجاهاته نحو الطاقة النظيفة المتجددة، وأسهمت الكفاءة الاقتصادية في التحول التدريجي عن التقليدي الذي يعتمد على النفط والغاز إلى اقتصاد المعرفة والرقمية والتقنيات الحديثة عالية الدقة والتطور والطاقة النظيفة.

إن ذلك لا يعني أن النفط ستتلاشى أهميته فورا، بل ان هذه الأهمية ستبدأ بالتراجع مع التراجع التدريجي للطلب عليه، والذي يقدر أن يصل إلى 88 مليون برميل يوميا عام 2050، أي بانخفاض يقدر بنحو 20 في المائة.

والمسألة التي يتعين أن ننتبه لها هي أن مخاطر الاعتماد كليا على النفط لم تعد نضوبه فقط، ولا تقلبات الطلب عليه، ولا أسواقه، بل كذلك التراجع التدريجي لدوره الستراتيجي في الاقتصاد العالمي أمام تقنيات وبدائل الطاقة الحديثة، وبالتالي التراجع التدريجي لأسعاره.

إذا أخذنا بالاعتبار هذا التراجع، وأضفنا له النمو السكاني، والحاجة إلى التوسع في البنية التحتية والمرافق والخدمات، فإن الدول المنتجة للنفط، تعتمد على إيراداته، ومتدنية التنويع، ستواجه مشكلة حقيقية في تمويل التنمية.

ما كنا في السابق قادرين على تخيل مرحلة ما بعد النفط، ظنا منا أنها تبعد مسافات من الاحتياطيات النفطية، أما حاليا فالحكاية مختلفة حتى بوجود هذه الاحتياطيات، فتراجع الأهمية الستراتيجية للنفط مقابل صعود الطاقة النظيفة ستكون أثاره باهظة الثمن، إذا لم يتم الاستعداد مبكرا لذلك.

وقد أدرك عدد من الدول النفطية، وعلى رأسها دول الخليج العربي، أهمية ذلك وما يشكله من تحديات مستقبلية على صادراتها النفطية، فشرعت في الاستثمار في الطاقة البديلة، ومنها من سجل تقدما ملحوظا، وقطع المرحلة الأولى، ومنها كذلك من في التصميم والتخطيط، ونأمل أن يتواصل ذلك.

تمتلك دول الخليج ميزات تفضيلية وتنافسية مهمة تمكنها من التقدم في قطاع الطاقة النظيفة، غير أن ذلك لا يكون إلا من خلال تحول اقتصادي شامل يركز على الانتقال من الرَّيع إلى الإنتاج، والتحرير التدريجي للأسواق، والإحلال التدريجي للواردات بإنتاج وطني وخليجي وتعزيز الصادرات، واستثمار عائدات النفط في المنافسة في تكنولوجيا، ومشروعات الطاقة النظيفة، وكلما تقدم ذلك، كلما أصبح الانتقال من حقبة النفط إلى حقبة ما بعد النفط والطاقة البديلة أيسر.

المدير العام السابق للمعهد العربي للتخطيط

آخر الأخبار