في منطقة تزخر بالتحالفات، تبقى العلاقات بين الكويت وسلطنة عُمان واحدة من أكثر العلاقات الخليجية توازناً وعمقاً. ليس فقط بحكم الجغرافيا والانتماء المشترك لـ"مجلس التعاون" الخليجي، بل بفضل إرث طويل من الاحترام المتبادل، والانسجام السياسي، والتعاون الاقتصادي الذي يزداد قوة عاماً بعد عام.
وتعود جذور العلاقات الكويتية–العُمانية إلى قرون مضت، حين كان التجار الكويتيون والعُمانيون يتقاسمون طرق الملاحة في المحيط الهندي والخليج العربي.
هذا الامتداد التاريخي منح البلدين قاعدة ثابتة لبناء علاقة سياسية حديثة ترتكز على الثقة والهدوء، وتجنب الصراعات، والتمسك بسياسة خارجية متوازنة.
ظلّت الكويت وعُمان، على مدار عقود، صوتين داعمين للاستقرار الإقليمي، ووسيطين موثوقين في كثير من الملفات العربية والخليجية، ما عزز صورة العلاقة باعتبارها علاقة تقوم على الحوار والحكمة.
وشهدت السنوات الأخيرة طفرة في التعاون الاقتصادي بين البلدين، تعكس انتقال العلاقات من إطار سياسي–تاريخي إلى شراكة اقتصادية متينة.
إن هذا التوسع لا يعكس مجرد مصالح اقتصادية، بل يعبر عن انسجام رؤى البلدين لتنويع مصادر الدخل وتعزيز دور القطاع اللوجستي والطاقة المتجددة في اقتصادهما. ثم جاءت مرحلة القيادة الجديدة في البلدين لتفتح صفحة أكثر ديناميكية في العلاقات، فقد حرص الأمير مشعل الأحمد الصباح والسلطان هيثم بن طارق، على ترسيخ منهج التواصل المباشر، من خلال لقاءات متكررة وزيارات رسمية تعكس مكانة البلدين لدى بعضهما البعض. وأكدت هذه اللقاءات رؤية مشتركة لمستقبل العلاقات الخليجية، تقوم على دعم مبادئ الاستقرار الإقليمي، وتعزيز التكامل الاقتصادي، وفتح آفاق جديدة للطاقة والتقنية والسياحة، وتعاون ديبلوماسي يستند إلى التاريخ والاحترام.
وبعيداً عن السياسة والاقتصاد، تتمتع العلاقة بين الشعبين الكويتي والعُماني بثقة ودفء واضحين في زيادة أعداد السياح الكويتيين إلى عُمان، مع وصول إلى نحو 40 ألف زائر في 2023، وكذلك فعاليات ثقافية مشتركة تحمل طابعاً شعبياً، مثل أسابيع الثقافة، والمهرجانات الفنية، وتبادل العروض المسرحية، إلى جانب حضور طلبة من الجانبين في جامعات الكويت وعُمان، ما يعزز التفاعل الثقافي والاجتماعي.
هذه الروابط الشعبية تمنح العلاقات الثنائية عمقها الحقيقي، وتضمن استمرارها بعيداً عن أي تغيّر سياسي.
ومن منظور التحليل السياسي، فإن العلاقات بين الكويت وسلطنة عُمان ليست مجرد علاقة خليجية عادية؛ إنها نموذج عربي للاستقرار والتعاون والبناء، له تاريخ راسخ، واقتصاد صاعد، وقيادة متجانسة، وشعبان يجمعهما ودّ واحترام، ويمكن لهذه العلاقة أن تتحول إلى محور عربي قوّي يرتكز على الحكمة السياسية والتكامل الاقتصادي مع وجود مصر.
فالكويت ومصر شريكان تاريخيان منذ دعم القاهرة استقلال الكويت عام 1961، كما يجمعهما تعاون اقتصادي وتنموي واسع. وعُمان بدورها تحافظ على علاقة ثابتة مع مصر، تستند إلى احترام السيادة وتطابق الرؤى في ملفات الاستقرار الإقليمي، والثلاث دول تتبنى نهجاً سياسياً قائماً على الاعتدال، وتفضيل الحلول الديبلوماسية، وتجنب سياسة المحاور، وهو ما يجعل العلاقات بينها متناغمة بطبيعتها، كما أن هناك مجالاً واسعاً لربط مشاريع عُمانية – كويتية بالموانئ المصرية على البحر الأحمر، وربط سلاسل الإمداد عبر موانئ الدقم وصُحار والكويت مع قناة السويس، بما يعزز الشراكة الثلاثية مستقبلاً.
كاتب مصري