خبراء وقانونيون أكدوا لـ"السياسة" أن نجاحه مرهون بالتوازن بين حقوق "المقرض" وضمانات "المقترض"
مروة البحراوي
يمثّل قانون الرهن والتمويل العقاري محورا رئيسيا في الحراك التشريعي الذي تشهده الكويت حاليا، في ظل سعي الدولة لإيجاد حلول عملية ومتكاملة للقضية الإسكانية وتنشيط القطاع العقاري بمختلف فروعه، وبينما يراه البعض خطوة ضرورية لتنويع أدوات التمويل وتعزيز الثقة في السوق، يحذّر البعض الأخر من مخاطره المحتملة في حال عدم استكمال مكونات المنظومة الاسكانية الثلاثة " الأراضي، المطور العقاري والتمويل العقاري".
ويرى خبراء عقار وقانونيون أن نجاح قانون الرهن العقاري في الكويت مرهون بقدرته على تحقيق توازن عادل بين حقوق المقرض وضمانات المقترض، مع الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والأسري للمواطنين، وأشاروا إلى أن العديد من دول مجلس التعاون نجحت في تطبيق قوانين رهن عقاري فعالة، إلا أن نقل هذه التجارب كما هي إلى الكويت غير ممكن بسبب خصوصية النظام الإسكاني المحلي القائم على الرعاية السكنية والدعم الحكومي المباشر.
وأكدوا لـ" السياسة" أن المسودة الأولية من القانون تعكس حرص الدولة على حماية المقترض عبر تحديد سقف الاقتراض وفق قدرته المالية، وإعفائه من الفوائد بحيث يقتصر السداد على أصل الدين لمدة قد تمتد إلى 25 عاما، كما تتيح حلولا في حال التعثر، منها إعادة الجدولة بالتفاوض بين المواطن والبنك، أو إمكانية أن تتدخل الدولة بشراء المديونية وتحويلها إلى بنك الائتمان، بما يمنع تعرض المواطن لأي مخاطر مالية جائرة.
العوضي: يخفف الضغط على"الائتمان" ويحقق منفعة للدولة والمواطن والبنوك
أكد رئيس اتحاد العقاريين إبراهيم العوضي أن ملامح قانون الرهن العقاري لا تزال غير مكتملة، وأن الصيغة المتداولة مؤخراً ما هي إلا مسودة غير نهائية تشير إلى أن الاستفادة من الرهن ستقتصر على الفئات المستحقة للرعاية السكنية، وعلى من يشترون وحداتهم من مشاريع المطور العقاري، وهوما يكشف الهدف الأساسي من القانون، والذي يكمن في تخفيف الضغط المتزايد على بنك الائتمان في توفير التمويل الحكومي التقليدي، عبر فتح قنوات تمويلية بديلة تساند المؤسسة في تلبية الطلبات السكنية.
وأضاف أن المعلومات الأولية تشير إلى أن تطبيق القانون سيكون محصورا في إطار المستحقين ومشاريع المطورين، ما يعني أن القانون لن يؤثر بشكل مباشر على القطاع السكني التقليدي أو السوق الاستثماري، وذلك حرصا على عدم التأثير على حركة التداول أو ارتفاع الأسعار، مؤكدا أن المشرع يركز حاليا على هدفين أساسيين، هما "تمكين مستحقي الرعاية السكنية من الحصول على سكنهم بأسرع وقت ممكن عبر آليات تمويلية جديدة، وضمان عدم انعكاس أي تشريعات جديدة على الأسعار أو خلق تشوهات إضافية في السوق".
وأشار العوضي إلى أن البنية التشريعية ستكون واضحة فور صدور القانون ولائحته التنفيذية، والتي من المقرر ـ وفق المعطيات ـ أن يتولى البنك المركزي إعدادها، بما يشمل وضع قواعد وآليات التمويل، ونسب السداد، وشروط المنح، موضحا أن البنوك الكويتية تمتلك سيولة كبيرة وملاءة مالية عالية، ما يجعلها قادرة على الدخول في منافسة تمويلية تخدم المواطنين وتحقق في الوقت نفسه عوائد مجدية للقطاع المصرفي، بما يخلق "منفعة ثلاثية" للدولة والمواطن والبنوك. وقال إن المسودة الأولية تعكس حرص الدولة على حماية المقترض عبر تحديد سقف الاقتراض وفق قدرة المواطن المالية، وإعفائه من الفوائد بحيث يقتصر السداد على أصل الدين لمدة قد تمتد إلى 25 عاما، كما تتيح المسودة المتداولة حلولا في حال التعثر، منها إعادة الجدولة بالتفاوض بين المواطن والبنك، أو إمكانية أن تتدخل الدولة بشراء المديونية وتحويلها إلى بنك الائتمان، بما يمنع تعرض المواطن لأية مخاطر مالية جائرة. وأكد العوضي أن العديد من دول مجلس التعاون نجحت في تطبيق قوانين رهن عقاري فعالة، إلا أن نقل هذه التجارب كما هي إلى الكويت غير ممكن بسبب خصوصية النظام الإسكاني المحلي القائم على الرعاية السكنية والدعم الحكومي المباشر، مشيرا إلى أن نجاح أي قانون في الكويت مرهون بقدرته على تحقيق توازن عادل بين حقوق المقرض وضمانات المقترض، مع الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والأسري للمواطنين.
حيدر: وضع صيغة توافقية تحمي المقترض وتحفظ حقوق الجهات التمويلية
أكد رئيس اتحاد وسطاء العقار عماد حيدر أن الرهن العقاري يشكل جزءاً مهماً من معالجة القضية الإسكانية، لكنه لا يمكن أن يكون الحل الوحيد، مشددا على ضرورة طرح منظومة شاملة تجمع بين تفعيل دور المطور العقاري، وتوفير الأراضي الفضاء، وتوسعة الطاقة الكهربائية والخدماتية، بما يضمن حلولا متكاملة قادرة على إحداث انفراجة حقيقية وقريبة في ملف الإسكان.
وأضاف حيدر أن بدء العمل بنظام الرهن العقاري يتطلب تحقيق توازن دقيق بين مصلحة البنوك والمواطنين، بحيث تراعى حقوق المقرض من جهة، وتصان الأسرة الكويتية من أي ممارسات تعسفية قد تضر بها من جهة أخرى، واعتبر أن هذا التوازن لا يمكن أن يتحقق دون وجود ضمان حكومي واضح، كون الدولة هي الضامن الأساسي لحقوق المواطنين عند طرح أي مشروع للتمويل أو الرهن العقاري.
وأشار إلى أن مشاركة القطاع الخاص في مشاريع القطاع السكني أصبحت ضرورة ملحّة، سواء في تطوير الفلل أو الشقق، لافتاً إلى وجود نماذج محلية ناجحة قبل عام 2008 يمكن الاستفادة منها، إلى جانب التجارب الخليجية، مع الأخذ بما يناسب الواقع الكويتي وتجاوز ما لا يلائم البيئة المحلية.
وأكد حيدر أن عودة البنوك والجهات التمويلية والقطاع الخاص إلى السوق السكني، إلى جانب البنوك الإسلامية، سيكون لها تأثير فعال في تنشيط التداولات وزيادة عدد الصفقات وضخ السيولة، بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد، لكنه في الوقت نفسه حذّر من الجانب الآخر، المتمثل في إمكانية ارتفاع الأسعار وعودة المضاربات إلى هذا القطاع الحيوي الذي بدأ يتعافى تدريجياً من موجة التضخم وفقاعة الأسعار التي شهدها عام 2022.
وشدد على أن أي قانون أو قرار وزاري يحمل في طياته إيجابيات وسلبيات، مؤكداً أن المطلوب ليس إلغاء قانون الرهن العقاري، بل معالجة أبرز شوائبه وخاصة ما يتعلق بالضمانات الخاصة بالأسر عند حالات التعثر والسداد، ووضع صيغة توافقية توازن بين حماية المقترض وحفظ حقوق الجهات التمويلية.
الملا: خطوة تشريعية محورية مع تزايد الطلب وغياب أدوات تمويلية فعالة
وصفت المحامية دلال الملا قانون الرهن والتمويل العقاري بـ" الخطوة التشريعية المحورية" التي تواكب المرحلة الحالية، لاسيما مع تزايد الطلب على السكن وغياب أدوات تمويلية فعالة ضمن إطار قانوني واضح، وأكدت أن أهمية القانون لا تكمن فقط في توفير التمويل، بل في إنشاء بنية تشريعية تنظم العلاقة بين المقرض والمقترض وتضع قواعد دقيقة للرهن، بما يرفع مستوى الأمان القانوني ويعزز الثقة في التعاملات العقارية.واوضحت أن القانون الجديد يعالج فجوة قانونية كانت تؤثر بشكل مباشر على السوق، أهمها غياب تشريع شامل ينظم الرهن العقاري، واعتماد المواطنين على التمويل الحكومي دون وجود إطار قانوني متكامل يحكم عمليات الرهن والتمويل الخاصة، لافتة إلى أن وجود قانون مفصل وواضح سيتيح التوسع في الإقراض بصورة منظمة، من دون أن يُعرّض البنوك أو المتعاملين لمخاطر قانونية أو مالية غير محسوبة.وتوقعت ارتفاع التداولات بعد تطبيق القانون نتيجة تحسين القدرة الشرائية، موضحة أن نجاح القانون لا يتحقق بالتمويل وحده، بل بتوافر منظومة تشريعية مساندة، تشمل "نظام تسجيل عقاري حديث وفعّال يوفّر حجية قانونية كاملة للعقود وإجراءات تنفيذ قضائي واضحة وسريعة في حال التعثر وضوابط دقيقة لتقييم العقارات لحماية المقترضين من التقديرات المبالغ فيها". وأكدت الملا أن تحقيق التوازن بين حقوق المقرض والمقترض عنصر تشريعي أساسي، وأن اللائحة التنفيذية يجب أن تتضمن ضوابط واضحة مثل: نسبة التمويل مقابل قيمة العقار، حدود الفوائد والرسوم، قواعد حماية الملكية الخاصة وحق المقترض في إعادة الجدولة قبل اتخاذ أي إجراءات تنفيذية.
وأشارت إلى ضرورة تحديد المسؤوليات والتعريفات بدقة، وتنظيم إجراءات التسجيل، وأن تكون متسقة مع باقي التشريعات العقارية والمدنية حتى لا يحدث تضارب تشريعي أو فراغ قانوني عند التطبيق ، مؤكدة ضرورة التوعية القانونية للمواطنين بكيفية التعامل مع العقود طويلة الأمد.ونوهت إلى أن القانون يمثل خطوة تشريعية هامة، لكن نجاحه مرتبط باللائحة التنفيذية، وبالرقابة القانونية الدقيقة، وبقدرة الدولة على خلق توازن يحمي المواطن ويشجع الاستثمار في الوقت ذاته.
بهبهاني: التمويل والأراضي والمطور العقاري ثالوث معالجة "الأزمة"
قال الخبير العقاري علاء بهبهاني إن التمويل يمثل أحد الأضلاع الجوهرية في الأزمة الإسكانية، إلى جانب كل من الأرض والمطور العقاري، مشدداً على أن معالجة هذه الأزمة تتطلب التعامل مع هذه العناصر الثلاثة بشكل متواز ومتزامن، محذرا من ان التركيز على ضلع واحد أو استعجال إقرار التشريعات الخاصة به قبل باقي الأضلاع، سيؤدي إلى تعقيد المشهد الإسكاني بدلاً من حله.
وأضاف أن إقرار قانون الرهن العقاري دون استكمال بقية عناصر المنظومة سيؤدي إلى ضخ سيولة كبيرة في السوق، ما سيترتب عليه ارتفاع إضافي في الأسعار، في وقت تعاني فيه العقارات السكنية من تضخم واضح، مشيرا إلى أن تجربة تضخم أسعار السكن الخاص بالتزامن مع تطبيق قانون الـ1500 متر ـ الأراضي الفضاء ـ وارتفاع التضخم العام، دفعت رؤوس الأموال إلى القطاع الاستثماري، حيث شهدت الأسعار ارتفاعات مدفوعة بالمضاربات أكثر منها بعوامل حقيقية، متوقعا أن يشهد هذا القطاع تصحيحاً سعرياً قريباً.
وأشار بهبهاني إلى أن الرهن العقاري سلاح ذو حدين، فبالرغم من دوره في تنشيط السوق، إلا أنه يؤدي بلا شك إلى رفع الأسعار، وهو ما يفاقم الضغوط على الطبقة المتوسطة التي تشكل أغلبية المجتمع الكويتي، لافتا إلى أن تضخم الأسعار قد يصل إلى حالة من الجمود التي تعيق دخول المتعاملين الجدد إلى السوق، إما لعدم قدرتهم المادية أو لقلة السيولة المتداولة، وهو ما لا يفضّله حتى المضاربون.
وأكد أن الحل يتطلب تبني مقاربة شاملة تقوم على تمكين القطاع الخاص من تطوير الأراضي عبر نماذج عقارية مختلفة، وبوتيرة سريعة، بما يمنع تراكم الطلبات وارتفاع الأسعار مع بدء العمل بنظام الرهن العقاري، موضحا أن هذه الخطوة ستسهم في بناء سوق عقاري منتج ومستدام، يخدم الدولة والمواطن والقطاع الخاص، ويتيح مراقبة التشوهات ومعالجتها أولاً بأول، مشيرا إلى أن ذلك يتطلب إرادة حقيقية وفهماً لآليات التطوير العقاري وأثره في تعزيز الرخاء الاقتصادي.
وأوضح بهباني أن التجارب الخليجية الأخرى واجهت تحديات مماثلة في بداياتها، لكنها نجحت في تجاوزها عبر حلول تدريجية، مؤكداً أن تطوير القطاع العقاري في الكويت يمكن أن يشكّل مصدراً قوياً ودائماً للدخل، ودعا إلى تبني ستراتيجيات واضحة لتحويل الكويت إلى بيئة جاذبة للأثرياء والعلماء والمستثمرين والصناعيين، من خلال تسهيل تملك العقارات، وتوسيع برامج التأشيرات، وتنشيط سياحة المؤتمرات، وتطوير قطاع الضيافة والفنادق والمنتجعات، ما يساعد في تنشيط السوق الاستثماري والتجاري.