الخميس 20 نوفمبر 2025
25°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
العملية السياسية في العراق بين المطرقة الأميركية وسندان إيران
play icon
كل الآراء

العملية السياسية في العراق بين المطرقة الأميركية وسندان إيران

Time
الأربعاء 19 نوفمبر 2025
د.عائد الهلالي

منذ عام 2003، والعراق يعيش في معادلة سياسية معقدة، تتأرجح بين نفوذ الولايات المتحدة الأميركية وضغط الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

فبعد إسقاط نظام صدام حسين، دخلت واشنطن إلى العراق باعتبارها القوة المهيمنة، واضعة أسس نظام سياسي يقوم على التعددية، والانتخابات والدستور، لكنها في الوقت ذاته تركت الباب مفتوحاً أمام تدخلات إقليمية، كان أبرزها النفوذ الإيراني المتزايد في مفاصل الدولة والمجتمع.

لقد شكلت العملية السياسية العراقية ميدان صراع غير مباشر بين واشنطن وطهران، حيث سعت الأولى إلى تثبيت نموذج ديمقراطي حليف للغرب، بينما عملت الثانية على تحويل العراق إلى منطقة نفوذ ستراتيجي يؤمّن عمقها الجيوسياسي، ويضمن لها أوراق ضغط في مواجهة العقوبات والعزلة الدولية.

هذا التناقض جعل الحكومات العراقية المتعاقبة تسير على حبل مشدود، تحاول الموازنة بين مصالح القوتين دون أن تتمكن فعلياً من تحقيق استقلالية القرار الوطني.

الولايات المتحدة استخدمت أدوات متعددة للتأثير، بدءاً من المساعدات العسكرية والاقتصادية، مروراً بالتحكم في بعض مؤسسات الدولة الأمنية، وصولاً إلى العقوبات والضغوط الديبلوماسية.

في المقابل، اعتمدت إيران على شبكة واسعة من التحالفات السياسية والفصائل المسلحة، التي أصبحت جزءاً من النسيج السياسي العراقي، الأمر الذي جعل نفوذها أكثر تجذراً في الشارع والقرار السياسي على حد سواء.

وفي كل أزمة داخلية، من تشكيل الحكومات إلى الصراعات البرلمانية، يظهر أثر هذا الصراع بشكل جلي. فكل طرف يسعى إلى ضمان أن يكون رئيس الوزراء المقبل أقرب إلى توجهاته، وأن لا تميل كفة القرار العراقي لصالح الآخر.

وهكذا أصبحت المناصب العليا، ومفاصل الدولة ساحة لتصفية الحسابات بين "المطرقة الأميركية" التي تهدد بالعقوبات أو العزلة الدولية، و"سندان إيران" الذي يلوّح بالتصعيد الداخلي عبر حلفائه.

لكن الجديد في السنوات الأخيرة هو بروز وعي وطني متزايد لدى الشارع العراقي، عبّرت عنه انتفاضة تشرين 2019 وما تلاها من حركات احتجاجية، رفعت شعار "نريد وطناً" بمعزل عن واشنطن وطهران معاً. هذا الوعي أعاد طرح السؤال الجوهري: هل يمكن للعراق أن يتحرر من ثنائية النفوذ، ويستعيد قراره السيادي الكامل؟

رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني يمثل، في نظر الكثيرين، محاولة واقعية لتجاوز هذا الاصطفاف الحاد، عبر اعتماد سياسة متوازنة تقوم على "التحييد الإيجابي"، أي الانفتاح على الجميع، دون الارتهان لأحد.

ومع ذلك، تبقى هذه السياسة محفوفة بالمخاطر، لأن التوازن بين قوتين متعارضتين ليس خياراً سهلاً، خصوصاً في ظل استمرار الصراع الأميركي–الإيراني على ملفات أوسع تشمل الخليج وسورية ولبنان واليمن.

إن مستقبل العملية السياسية في العراق مرهون بقدرة القوى الوطنية على بناء مشروع دولة مستقل، يضع المصلحة العراقية فوق الحسابات الخارجية، ويؤسس لعلاقة متكافئة مع كل من واشنطن وطهران على أساس السيادة والاحترام المتبادل.

فالعراق يمتلك من الإمكانات البشرية والاقتصادية ما يؤهله لأن يكون لاعباً إقليمياً فاعلاً، لا ساحة لتصفية الصراعات. وبين المطرقة والسندان، يبقى الأمل معقوداً على وعي النخبة والشعب في تحويل هذا الصراع إلى فرصة لاستعادة الوطن والدولة.

كاتب عراقي

آخر الأخبار