الحرية تُعَدّ إحدى الركائز الأساسية للدولة الدستورية الحديثة، وعنصراً جوهرياً في بناء الوعي السياسي والاجتماعي. ومع ذلك، فإن هذه الحرية لا تُفهم بمعزل عن القانون، ولا تُمارس خارج إطار النظام العام، فهي ليست سيفاً يُشهره الفرد في وجه المجتمع، وليست عباءة تُلبس للفوضى والتجريح، والتشهير، بل هي مسؤولية متوازنة تحترم حق الفرد، وتصون كيان الدولة وتحفظ المجتمع.
الحرية في النص الدستوري الكويتي
أكد الدستور الكويتي بشكل واضح أن الحرية حق مكفول، لكنه قيّدها بشروط تحمي الصالح العام، ومن أبرز النصوص:
1 - الحرية الشخصية،فالمادة 30 من الدستور تنص على أن" الحرية الشخصية مكفولة".
2 - حرية الرأي والتعبير، المادة 36 "حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفق الشروط والأوضاع التي يبينها القانون، وبما لا يخل بالنظام العام أو الآداب العامة".
المادة 37 "حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون".
3 - احترام حقوق الغير، فالمادة 29 تنص على أن "الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين".
هذه النصوص تؤكد أن الحرية ليست مطلقة؛ فهي مقيدة بالنظام العام، الآداب، وحقوق الآخرين.
التأصيل القانوني، حدود التعبير وفق التشريعات الكويتية
القانون الكويتي لم يكتفِ بمبادئ عامة، بل وضع جزاءات صريحة لضبط التجاوزات:
1 - قانون الجزاء (العقوبات)، القذف والسب والتشهير: يعاقب القانون كل من أسند إلى شخص واقعة من شأنها أن تجعله محلاً للازدراء (قانون الجزاء – المواد من 209 إلى 212 تقريبًا).
- المساس بالهيبة العامة والأجهزة الرسمية: تجريم الإساءة للسلطات أو رموز الدولة بما يمس النظام العام.
2 - قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 63/2015
- يعاقب على: نشر أخبار أو شائعات كاذبة. الإساءة للغير عبر الإنترنت. المساس بالآداب العامة. اختراق الخصوصية ونشر البيانات دون إذن.
3 - قانون المطبوعات والنشر رقم 3/2006
حظر: المساس بكرامة الأشخاص أو حياتهم الخاصة. بث الفتن الطائفية أو العنصرية. التحريض على قلب نظام الحكم أو مخالفة النظام العام.
4 - قانون المرئي والمسموع رقم 61/2007، وفيه قيود مشابهة على المحتوى الإعلامي والبث العام.
الفلسفة القانونية/ حرية بضوابط لا بقيد
القانون لا يهدف إلى تكميم الأفواه، بل إلى الحفاظ على التوازن بين الحق والمسؤولية: حرية النقد مباحة. التجريح والإساءة مجرّمة. كشف الفساد حق مشروع. الاتهام دون دليل افتراء معاقب عليه. فالحرية تُمارس بمستند وحجة وأدب قانوني، لا بانفعال أو إساءة أو تصفية حسابات شخصية.
المجتمع قبل القانون
إذا وعى المجتمع حدود الحرية ومارسها بمسؤولية:
- ارتقى الحوار
- انتظمت الحياة الديمقراطية
- تلاشى التحريض والإساءة والتشهير
- تعززت الثقة بين الأفراد والدولة
أما حين يُساء استخدام الحرية، فإن المجتمع يدفع ثمن الفوضى قبل أن يطبق القانون عقوبته.
الواقع الحديث، المنصات الرقمية. اليوم، لكل فرد "منصته وصوته". لكن ارتفاع الصوت لا يعني صحة الرأي، وكثرة المتابعين لا تصنع حجة.
وسائل التواصل أصبحت ساحة للتعبير، لكنها أيضاً منطقة اختصاص قانوني كامل؛ الكلمة فيها قد تكون جريمة إذا تجاوزت حدود الحق.
الحرية في الكويت ليست نصاً جامداً ولا امتيازاً بلا ضابط، بل هي منظومة:
- دستور يحمي.
- قانون ينظم.
- مجتمع يعقل ويميّز.
وحين نفهم هذه المعادلة، ندرك أن الحرية ليست صراعًا بين المواطن والدولة، بل اتفاقًا بينهما على حماية الكرامة والحق والنظام العام.
الحرية ليست أن تقول كل ما تريد، بل أن تقول ما تشاء دون أن تظلم أحداً.
كاتب كويتي