السوق العقاري في مفترق طرق وسط حالة من الترقب لـ"الأراضي الفضاء"
أحمد الزنكوي: زيادة المعروض وانخفاض الأسعار 30% مع اقتراب التنفيذ
فهد المؤمن: مرحلة حساسة تعتمد ملامحها المستقبلية على القرار المرتقب
فواز الميموني: محاولات للالتفاف عليه عبر "وحدات مخالفة" و"هياكل أسمنتية"
يقف السوق العقاري الكويتي على أعتاب مرحلة فارقة، وسط ترقّب لقرار المحكمة الدستورية المقرر صدوره اليوم الأربعاء 26 نوفمبر بشأن الطعن على قانون منع احتكار الأراضي الفضاء، وهو أحد أكثر التشريعات تأثيراً في حركة السوق خلال السنوات الأخيرة، فمنذ إقرار القانون وإعلان قرب تطبيقه، شهدت أسعار السكن الخاص موجة تصحيح غير مسبوقة تراجعت خلالها قيمة بعض الأراضي نحو 30%، مصحوبة بزيادة في حجم المعروض وتخفيف حدة المضاربات التي لطالما دفعت الأسعار لمستويات غير مبررة.
ورغم هذا التحسن الملحوظ، فإن حالة الترقب التي تعيشها السوق اليوم تؤكد حجم الرهان على الحكم المرتقب، والذي سيحدد ما إذا كان القطاع سيواصل مسار التصحيح والانفتاح أمام الباحثين عن السكن، أم أنه سيعود إلى دائرة الشح المصطنع والارتفاعات المتسارعة في حال قبول الطعن وإلغاء القانون، فقبول الطعن يعني عمليا رفع القيود التي منعت الاحتكار وأجبرت الملاك على البيع ضمن مدد زمنية محددة، ما قد يعيد المضاربين إلى الواجهة ويرفع الأسعار تدريجياً، أما رفض الطعن، فسيعزز مناخ الشفافية ويواصل الضغط باتجاه مزيد من التراجع السعري وزيادة المعروض.
وبين سيناريو الارتفاع وسيناريو التصحيح، نستعرض رؤى الخبراء وتحليلاتهم حول المشهد العقاري الراهن، والاتجاهات المتوقعة لكل سيناريو، وما إذا كانت السوق مقبلة على دورة جديدة من الارتفاع، أم مرحلة استقرار طويلة طال انتظارها.
خطوة إصلاحية
أبدى الوسيط والخبير العقاري أحمد الزنكوي دعمه لرفض الطعن في قانون احتكار الأراضي الفضاء، معتبراً أن هذا القانون يمثل خطوة إصلاحية جوهرية ستعيد الاستقرار للسوق وتحد من تشوهاته.
وقال الزنكوي لـ "السياسة" إن التجربة العملية أثبتت أن مجرد الإعلان عن قرب تطبيق القانون مطلع العام المقبل أدى إلى تراجع ملحوظ في أسعار الأراضي السكنية بنحو 30%، إلى جانب زيادة المعروض في مختلف المناطق، لاسيما جنوب السرة وأبوفطيرة والصديق والسلام والجهراء، الأمر الذي يعكس حساسية السوق تجاه أي إجراءات تحد من الاحتكار وترفع مستوى الشفافية.
وأشار إلى أن القانون يصب بشكل مباشر في مصلحة المواطن عبر خلق فرص شراء بأسعار أكثر واقعية تتناسب مع الملاءة المالية للأسر الكويتية، مشددا على أن شريحة واسعة من التجار والمستثمرين تترقب التطبيق الفعلي للقانون لاستكمال حركة التصحيح والعودة إلى مستويات سعرية عادلة.
وحول المخاوف من احتمالات عودة المضاربات العقارية، أكد الزنكوي أن هذه الظاهرة تلاشت تقريبا بعد تشديد ضوابط التمويل وتقنين القروض البنكية واقتصارها على قرض واحد، وهو ما أغلق الباب أمام المضاربات غير المستدامة التي كانت تُضخم الأسعار دون مبرر.
ورسم الزنكوي صورة مختلفة في حال قبول الطعن وإلغاء القانون، مؤكدا أن ذلك سيكون له أثر بالغ على السوق، إذ سيؤدي إلى سحب جزء كبير من المعروض وعودة بعض الممارسات الاحتكارية، بما يمهد لارتفاع جديد في أسعار الأراضي السكنية، موضحا أن أي انتكاسة في الجهود الإصلاحية ستعيد السوق إلى حالة الشح المصطنع وارتفاع الأسعار مجددا، بما يفاقم من صعوبة حصول المواطنين على سكن ملائم.
وشدد على أن السوق العقارية أمام منعطف مهم، وأن حكم الدستورية سيحدد مسار الأسعار والتداولات خلال السنوات المقبلة، سواء باتجاه استكمال التصحيح وتحقيق العدالة في التملك، أوالعودة إلى دوامة الارتفاعات غير المبررة.
قرار مفصلي
من جانبه، اكد الخبير العقاري فهد المؤمن أن السوق العقاري يعيش مرحلة حساسة تعتمد ملامحها المقبلة على قرار المحكمة الدستورية المرتقب، والذي سيحدد اتجاهات الأسعار وحجم التداول وفرص الاستثمار خلال الفترة المقبلة، مقدما قراءة تفصيلية للآثار المتوقعة على السوق العقاري في الكويت، ومؤكدا أن قرار المحكمة الدستورية بشأن الطعن على قانون منع احتكار الأراضي والعقارات سيكون مفصليا، وستنعكس نتائجه مباشرة على الأسعار وحركة التداولات خلال الفترة المقبلة.
وأوضح ان قبول الطعن وإبطال القانون سيعيد تشكيل المشهد العقاري سريعا، إذ سيختفي الضغط القانوني الذي كان يحفّز الملاك على البيع، ما سيدفع شريحة واسعة منهم إلى سحب عروض الأراضي الفضاء والاحتفاظ بها مجددا، هذا الانخفاض في حجم المعروض ـ وفقاً للمؤمن ـ سيفتح الباب أمام عودة المضاربين وارتفاع وتيرة الشراء بغرض الاحتفاظ بالأرض، الأمر الذي سيقود إلى ارتفاع تدريجي في أسعار السكن الخاص، خصوصا في المناطق التي تعاني محدودية في الأراضي المتاحة للتطوير.
وأضاف أن موجة المضاربات ستظهر بوضوح في القطاع السكني، مع احتمال اتساع الفجوة بين القدرة الشرائية للمواطن والأسعار المعروضة.
وفي المقابل، اعتبر المؤمن أن رفض الطعن واستمرار العمل بالقانون سيعزز مسار التصحيح الذي يشهده السوق منذ أشهر، حيث أسهم انخفاض أسعار الأراضي الفضاء في تنشيط التداولات، خاصة في جنوب السرة، ومدينة صباح الأحمد البحرية، وشرق القرين، مشيرا إلى أن السوق شهد خلال هذا العام عددا من المزادات على الأراضي إلا أن الإقبال لم يكن بالمستوى المتوقع، نتيجة طرح أسعار أعلى من القيمة السوقية، ما دفع المشترين إلى الابتعاد عن المزادات والاتجاه نحو التداول المباشر.
ولفت المؤمن إلى أن استمرار نفاذ القانون سيزيد من فرص حصول الباحثين عن السكن على أسعار أكثر واقعية، مؤكدا أن احتمالات ارتفاع الأسعار تحت الوضع الحالي تعتبر ضعيفة وغير واردة ما دام القانون قائما ويحد من الممارسات الاحتكارية.
وأضاف أن السوق بدأ يشهد ظهور منتجات عقارية جديدة موجهة للإيجار، مع قيام مطورين ببناء فلل ووحدات متعددة على الأراضي الفضاء تمهيدا لطرحها كعقارات إيجارية، سواء على شكل فلل مستقلة أو شقق ضمن مبنى واحد، متوقعا أن يسهم التوسع في هذا النوع من المعروض في إحداث تصحيح إضافي بأسعار الإيجارات، لتصبح أكثر توافقا مع قدرة المستأجرين، لاسيما في مناطق مثل جنوب السرة وشرق القرين حيث تتزايد مشاريع البناء الموجهه للإيجار.
طرح الأراضي
من ناحيته، قال الباحث العقاري فواز الميموني إن النقاش حول قانون رسوم الأراضي الفضاء قبل صدور حكم المحكمة الدستورية يبقى جدلاً سابقاً لأوانه، مشيرا إلى أن السوق العقاري سيشهد حركة سريعة لطرح الأراضي المحتكرة في حال رفض المحكمة للطعن وإقرار القانون، مضيفاً: "حتى لو قرر أغلب المحتكرين الانتظار، فإن قيام 5% فقط منهم بطرح أراضيهم تفادياً للخسائر المستقبلية سيكفي لخلق موجة هبوط في الأسعار وتشكيل مستويات سعرية جديدة، وربما نشهد مزادات كبرى مع بداية 2026".
وكشف الميموني عن وجود محاولات للالتفاف على القانون عبر بناء "هياكل إسمنتية" أو "وحدات غير صالحة للسكن" بهدف إسقاط شرط الرسوم، غير أن هذه المحاولات ـ البائسةـ لن تجدي نفعاً، لأن هذه الأبنية لا تستوفي اشتراطات بلدية الكويت ولا تؤهل لتوصيل الكهرباء، وبالتالي تبقى قانوناً تحت بند الأراضي الفضاء.
واضاف أن القانون لا يخدم فقط إعادة تنظيم القطاع العقاري، بل الحكومة أيضاً، مؤكدا انه "عندما تنخفض الأسعار نتيجة تحريك السوق، سيختار عدد كبير من أصحاب الطلبات السكنية شراء عقارهم مباشرة من السوق، ما يخفف العبء عن الدولة في بناء المدن وتوفير القروض والساحات والبنية التحتية، ويعزز كذلك ثقة المواطنين بجدية الحكومة وحرصها على تطبيق القانون على الجميع".
"المطور العقاري" وتحسين المشهد الإسكاني
قال الباحث العقاري فواز الميموني إن ملف الإسكان يمر بتحولات مفصلية أخرى، أهمها قانون المطور العقاري، الذي يعلّق عليه آمالاً كبيرة في تحسين المشهد العقاري، موضحا أنه لا يقصد بالمطور العقاري الجانب المحلي المحدود في المناطق الصغيرة، بل يتحدث عن الشركات التطويرية الكبرى الأجنبية التي ستتولى مشاريع ضخمة بحجم الصابرية ومدينة نواف الأحمد والخيران.
واكد أن هذه المشاريع بحجمها وتنوعها قادرة على تغيير ديناميكية الأسعار لعدة أسباب منها:
● تأثيرها المباشر في حجم الطلبات الإسكانية.
● قدرتها على تسريع الإنجاز.
● جودة التنفيذ المتوقعة.
● حياد المطور الأجنبي عن شبكات النفوذ والتسعير المحلي، ما يعزز عدالة الأسعار.