"الدستورية" ترفض الطعون على "احتكار الأراضي الفضاء"
أسدلت المحكمة الدستورية الستار على الجدل القانوني الدائر منذ أشهر حول قانون فرض الرسوم على القسائم السكنية غير المبنية، إذ أصدرت حكماً نهائياً وباتاً برفض الطعون المقدمة ضد القانون المعروف ب"قانون احتكار الأراضي الفضاء"، مؤكدة أن التشريع ينسجم مع الدستور، ويحقق المصلحة العامة ولا ينال من جوهر حق الملكية .
وتناول حكم المحكمة - الصادر اليوم في 17 صفحة - جملة واسعة من الدفوع الدستورية، وردّ عليها باستفاضة، واضعاً إطاراً قضائياً واضحاً لاختصاص الدولة في مواجهة الاحتكار العقاري وضبط المضاربة وحماية الحق في السكن.
الرسوم ليست عقوبة
أكدت المحكمة أن المشرّع لم يقصد بفرض الرسوم "معاقبة" ملاك الأراضي الفضاء، وإنما تحقيق غاية اجتماعية واقتصادية تتمثّل في منع تجميد الأراضي ومنع تراكم الثروة غير المنتجة وتعطيل الأراضي المخصصة للسكن الخاص بهدف رفع قيمتها فقط.
وبيّنت المحكمة أن الملكية في الدستور ليست حقاً مطلقاً، بل تخضع لتنظيم تشريعي يرتّب عليها وظيفة اجتماعية، وأن أي تقييد يكون مقبولاً متى ارتبط بتحقيق مصالح المجتمع ودفع الضرر العام، مشددة على أن فرض الرسم يدخل ضمن نطاق التكليف المالي المشروع الذي لا يعد اعتداءً على الملكية، طالما لا ينال من أصل الحق ولا يؤدي إلى مصادرته أو إهدار رأس المال.
أزمة السكن
وأوضحت المحكمة أن القانون جاء استجابةً لضرورة اجتماعية ملحّة تتمثّل في شح الأراضي السكنية وارتفاع أسعار السكن الخاص بصورة أثقلت كاهل المواطنين وأخلّت بمبدأ تكافؤ الفرص في الحصول على المسكن.
كما اعتبرت المحكمة أن احتكار القسائم الفضاء والمتاجرة بها دون تطوير أدى إلى أزمة حقيقية تتطلب تدخلاً تشريعياً يحقق زيادة المعروض من الأراضي القابلة للبناء،وتخفيض الأسعار وإزالة التشوهات في السوق العقاري،وحماية المواطنين الباحثين عن مسكن ملائم.
المساواة بين الجميع
أشارت المحكمة إلى أن القانون راعى مراكز قانونية متعددة، وميّز بينها بما يحقق العدالة، ومن ذلك وقف الرسوم فور الشروع في البناء وتوصيل التيار الكهربائي،واستثناء الأراضي التي لم تصلها الخدمات والبنية التحتية، وتلك التي صدرت بخصوصها قرارات تنظيمية ولم تتجاوز سنتين، وكذلك أراضي الرعاية السكنية الممنوحة للمواطنين.
وأكدت المحكمة أن الرسوم جاءت تصاعدية عادلة ترتبط بالمساحة والغرض من الامتلاك واستمراره دون تطوير. وفنّدت المحكمة دفع الطاعنين بأن القانون يخلّ بالمساواة أو يهدد الحقوق الدستورية، وأكدت أن النصوص لم تستهدف فئة دون غيرها،ولم تفرض رسوماً تعسفية بلا ضوابط؛ بل راعت شروط البناء والاستغلال الواقعي للعقار.
وأوضحت أن المساس بجانب من أوجه الانتفاع بالملكية لا يمس أصل الحق فيها طالما كان لتحقيق مصلحة عامة راجحة.
رفض الطعون
وخلصت المحكمة إلى رفض جميع الطعون ومصادرة الكفالة، والتأكيد على أن القانون مستمر بسريانه دون تغيير، وأن تطبيقه سيستمر اعتباراً من مطلع 2026 حسب المواعيد والإجراءات المحددة فيه.
دلالة الحكم
يمثّل هذا الحكم محطة قضائية حاسمة في ملف الاحتكار العقاري، ويُتوقع أن يزيد من المعروض السكني بصورة تدريجية،ويحرّك عجلة البناء والتطوير العمراني، كما سيحدّ من ارتفاع أسعار الأراضي المضاربية،ويسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية في السكن للمواطنين.