حديث الأفق
تاجر ظُلم حين قطع اللصوص طريقه وسرقوا ماله
سنة كاملة أمام باب الخليفة ولم يُؤذن له بالدخول
حين تعب من الصبر فكر بحيلة تضعه أمام الخليفة
يا أهل بغداد اشهدوا عليَّ أن لي ما ليس لله!
قال له المأمون: والله ما رأيت أذكى منك رجلاً
عمر بن الخطاب دعا إلى صلاة جامعة حتى لا يغتر
خيّم الصمت على المسجد وكأن القلوب توقفت
قال له ابن عوف: يا أمير المؤمنين لقد أهنت نفسك
خشيت أن تتكبر فأردت أن أؤدبها وأذكّرها بأصلها
في زمن الخليفة العباسي المأمون، كان هناك تاجر ظُلم، إذ قطع عليه اللصوص الطريق وسرقوا ماله بالكامل، فلجأ إلى دار الخلافة، ووقف على باب القصر سنة كاملة، وهو ينتظر أن يؤذن له، لكن لا أحد سمعه، أو فتح له الباب.
بعد أن تعب من الصبر فكر في حيلة لا تبقيه في الظل، بل ستضعه مباشرة أمام الخليفة.
ففي يوم جمعة، وقف التاجر وسط الناس، ونادى بأعلى صوته: "يا أهل بغداد اشهدوا عليَّ أن لي ما ليس لله، وعندي ما ليس عند الله، ومعي ما لم يخلقه الله، وأحب الفتنة، وأكره الحق، وأشهد بما لم أر، وأصلي بغير وضوء".
الناس جن جنونهم مما قاله الرجل من كفر، وزندقة، فحملوه إلى الخليفة فورا.
دخل التاجر على المأمون، فسأله بحدة: "أنت من قال ما نسب إليك"؟
رد الرجل بهدوء: "نعم، أنا من قال ذلك"، فقال المأمون: "فما حملك على هذا القول العجيب"؟
أجابه التاجر: "سرقوا مالي، ووقفت أمام بابك سنة كاملة، ولم يؤذن لي، وأردت أن أراك ولا سبيل إلى ذلك إلا بهذا الطريق".
قال الخليفة: "إن فسرت قولك رددنا عليك مالك"، ابتسم التاجر وقال: "أما قولي لي ما ليس لله، فلي زوجة وولد، وليس لله زوجة ولا ولد، وقولي عندي ما ليس عند الله، فعندي الكذب والخديعة، والله منزه عن ذلك، وأما قولي معي ما لم يخلق الله، فأنا أحفظ القرآن، والقرآن كلام الله وهو غير مخلوق".
وأضاف: "أما قولي أحب الفتنة، فأنا أحب المال والولد، وهما فتنة، أما قولي أكره الحق، فأكره الموت وهو حق، وأما قولي أشهد بما لا أرى، فأشهد أن محمداً رسول الله ولم أره، أما قولي أصلي بغير وضوء، فإني أصلي على النبي الكريم، فالصلاة عليه لا تحتاج إلى وضوء".
فابتسم المأمون: "وقال والله ما رأيت أذكى منك، ردوا عليه ماله، وزيدوه من بيت مال المسلمين".
فالذكاء ليس فقط في الحيلة، بل في حفظ كرامتك وأنت تطالب بحقك، وفي زمن كثر فيه الظلم، أحياناً لا يسمعك السلطان، إلا إذا صرخت بما لا يُفهم.
عمر بن الخطاب حين أهان نفسه
صعد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إلى المنبر ونادى في الناس قائلاً: "الصلاة جامعة"، فهبّ الناس من كل ناحية، وتركوا ما بأيديهم واجتمعوا في المسجد، فقد اعتادوا أن نداء "الصلاة جامعة"، لا يقال إلا لأمر جلل، أو موعظة بليغة أو خبر خطير.
فلما اكتمل الجمع، نظر إليهم عمر بعين الواثق بالله، ثم قال بصوت امتزجت فيه العظمة بالتواضع: "يا أيها الناس، كنت صبياً صغيراً لا شأن لي بين الناس، أرعى الغنم لأهل مكة، وأرعى لخالاتي من بني مخزوم، فأخرج بالغنم في الصباح أسقيها من الماء وأحلبها لهم، وأنظف مكانها بيدي، ثم أعود في المساء فيضعون بين يدي حفنة من التمر، هي أجري الذي كنت أرتزق منه".
ثم سكت لحظة وتأمل في وجوه من حوله، وقال: "إن كنتم لا تعلمون أنني كنت أفعل ذلك فاعلموا الآن". ثم نزل من على المنبر، وقد خيّم على المسجد صمت عظيم، وكأن القلوب كلها توقفت عند هذا الدرس العميق.
فتقدم إليه عبدالرحمن بن عوف (رضي الله عنه)، وقال متعجباً: "يا أمير المؤمنين، والله ما أراك إلا وقد أهنت نفسك".
فالتفت إليه عمر بعين فيها بريق الإيمان، وصدق الإخلاص، وقال: "ذلك ما أردت، لقد حدثتني نفسي أنني أمير المؤمنين، فخشيت أن تتعالى أو تتكبر، فأردت أن أؤدبها وأذكّرها بأصلها، وأعرّفها قدرها".
نكشات
يجب أن ننجح في جلب العقول الاقتصادية للعمل لدينا، فالعالم كله يعيش حاله تضخم، فلماذا لا نفتح بلدنا لتوطين رؤوس الأموال فيها؟
* * * *
نحن لاهون في قضايا يتباعد فيها الناس عن بعضهم بعضا، فيما لا أحد يفكر في المهم.
* * * *
بكل صراحة، سياستنا في حق الانتفاع ليست حكيمة، بدليل أن العقول الاقتصادية المميزة مرحب بهم في دول أخرى، خليجية وغير خليجية، فيما هنا شروطنا مضحكة، ومتابعتها مزعجة.
* * * *
عندما يجوع الحيوان يصبح خطيراً، أما الإنسان فيصح خطيراً عندما يشبع، والكل له سلوكه، وطبيعته.