دخل الخبير الديوانية، وهو يهزّ رأسه بثقة وقال: "أبشـِروا يا آل الديوانية الكرام، عندي لكم خبر بيخلّي تذاكر الطيران في متناول اليد، كالعادة، البهوات ما سمعوش عن آخر اختراعات السفر"؟
قالوا كلّهم بصوت واحد: "لا".
ابتسم الخبير وقال: "السفر القادم مش بعربية ولا مركب ولا على هم يا جمل، ده بيكون على كرسي واقف"!
رفع الرجل صوته مستغرباً: "شلون كرسي واقف يا سعادة الخبير، يعني إذا بنسافر، نوقف دور دور مثل دور الخبّاز، مو قاعدين"؟
ضحك الخبير وقال: "لا يا بو الرجال ده التطور، بدل ما تقعد على كرسي ضيّق، قالوا نخليك مرتاح واقف، شوف الرقي يا أخي"؟
الشايب قطّع عليه الكلام: "رقي وإلا بطيخ؟ هذا عقاب، الله يردّه لأهله سالم".
ضحك الخبير وقال ساخرا: "ايه المانع ما نجرّب الفكرة عملي، بجولة بشوارع الكويت واقفين ومربطين زي ما هم عاوزين".
بين هرج ومرق وافق الحضور بحماسة: "ليش لا، خلّونا نعيش الأجواء قبل العالم. استجروا "وزة" هاف لوري من علَم الدين وشركاه، وجهزوها بحبال، وأحزمة أمان كأنهم طالعين للقمر".
وقبل الإقلاع بدقائق كان الشباب يصوّرون "سنابات" و"سيلفيات": "يا الله يا الربع واحد اثنين، قولوا جريش، قبل الإقلاع".
كانت الخطة: "الانطلاق من الديوانية، النويصيب، العبدلي، الختام بالسالمي، ثم العودة للديوانية بدون ترانزيت". الشاب يصرّخ ويصوّر: "وااو إحساس الطيران موجود، دوس يا علم".
ومع أول مطب انقلبت الدنيا، الشايب يصرخ: أحس ظهري يكتب وصيته، والله لو كان عندي جوانح ما أسافر واقف". المعاق من الخوف عضّ الحبل بأسنانه، وهو يصيح: "لا بارك الله بالساعة اللي ركبت معكم، كل هذا عشان تذكرة رخيصة"؟
الرجل راسه يهتز، ويضرب بزوايا البدي: "هذا مو طيران، هذا عذاب مستعجل، ماني عامل حساب له".
الخبير يحاول يهدي الوضع: "ركّزوا على التوازن يا شباب، أهم حاجة، واللي يوقع ما يخافش، نلف ونرجع نشيله من جديد".
ومع كل مطب جديد كانت الأصوات والآهات خليط بين الضحك والبكاء والعويل" بياليل ياعين"!
وبعد ست ساعات ونص من العذاب الممتع رجعوا للديوانية، وتفرشوا الأرض مثل ورق عنب مفلطح جاهز للخلطة.
قال الشايب، وهو ايلون ماسك ظهره: "آه يا عمودي يا فقري، وينكم يا حلوق الإنسان، والله لو يسفروني مجاناً كل يوم ما أركب معهم".
الشاب يضحك: "قسم بالله أحلى رحلة، بس آخر مرة".
المعاق وهو يتألم: "أنا ما أسافر إلا وأنا نايم، حتى مو جالس".
الرجل وهو يتصل، وباليد الثانية يمسح عرقه: "إن كانت تذكرة الطيران رخيصة بالشكل المقترح صدّقوني جسمك هو اللي يدفع الثمن. ألو: أبي إسعاف! العنوان: الديوانية".
أما الخبير فابتسم بفخر وقال: "نعلن نجاح التجربة، ومليون اهلا بالإعلام، ويكفينا فخراً وتيها بأن أثبتنا إن الوقوف ست ساعات ممكن بدون سقوط إلا مرّتين بس، وخلاصة التجربة: ننصح بعدم السفر واقفاً لأنه غير إنساني".
وفي آخر لحظة دخل المتمولس بشطحته اليومية: "أنتم تقولون أربع أيام ولّا أربع تيّام"؟
وفجأة ارتفع أذان المغرب بصوت الشيخ زغلول معلناً نهاية الرحلة، وبداية آلام الظهر.
كاتب كويتي
[email protected]