الخميس 27 نوفمبر 2025
24°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
آراء طلابية

أهمية قانون التحكيم ودوره في تحقيق العدالة الحديثة

Time
الخميس 27 نوفمبر 2025
شهد عبدالعزيز الشمري
وجهة نظر

يُعدّ التحكيم اليوم من أبرز الوسائل الحديثة لحلّ المنازعات، لاسيما مع التطور الكبير في العلاقات التجارية والاقتصادية داخل الكويت وخارجها.

وبحكم دراستي في تخصص القانون، أرى أنه لم يعد مجرد خيار بديل، بل أصبح ضرورة تفرضها طبيعة النزاعات المعاصرة التي تحتاج إلى سرعة، ومرونة، وخبرة متخصصة بعيداً عن التعقيد التقليدي لإجراءات المحاكم.

فالتحكيم في جوهره هو اتفاق بين الأطراف على إحالة خلافاتهم إلى شخص، أو هيئة محايدة تتولى الفصل في النزاع بدلاً من القضاء العادي، مما يمنحهم مساحة للتحكم في تفاصيل العملية، سواء في اختيار المحكّم أو تحديد الإجراءات أو الاتفاق على القانون الواجب التطبيق.

وتبرز أهمية قانون التحكيم في تنظيم هذه الآلية بطريقة تضمن الشفافية وتحافظ على العدالة، إذ وضع إطاراً قانونيا واضحا يحد من التعسف ويمنع استغلال الإجراءات بغرض المماطلة.

وقد ساهم هذا القانون في تعزيز الثقة في التحكيم كوسيلة فعالة لحسم المنازعات التجارية، وساعد الشركات والأفراد على إيجاد حلول تحفظ الحقوق، دون الحاجة للانتظار الطويل في المحاكم.

ومن الملاحظ أن قانون التحكيم يقدم مزايا عديدة، أهمها السرعة في الفصل بالمنازعات، والسرية التي تمنع انتشار تفاصيل القضايا في العلن، إضافة إلى مرونة كبيرة تمنح الأطراف حرية تصميم الإجراءات بما يناسب طبيعة خلافهم.

كما أن الاستعانة بمحكّمين ذوي خبرة متخصصة تمنح القرارات جودة أعلى أحياناً من بعض الأحكام القضائية التقليدية. ولا يقلّ أهمية عن ذلك القوة التنفيذية لحكم التحكيم، إذ أصبح بمثابة سند تنفيذي يمكن اعتماده مباشرة بعد تصديقه دون المرور بإجراءات طويلة أو معقدة.

وقد انعكس هذا التنظيم القانوني بشكل مباشر على بيئة الاستثمار في الكويت، حيث أصبح المستثمرون ينظرون إليه كضمان حقيقي لحقوقهم، وكوسيلة تقلل من مخاطر تعطيل المشاريع التجارية. فوجود آلية عادلة وسريعة وموثوقة لحل النزاعات يساهم في خلق مناخ قانوني أكثر جاذبية، ويعزز الثقة في الاقتصاد الوطني.

ورغم هذه المزايا الكبيرة، إلا أنني أرى، أن التحكيم لا يخلو من بعض التحديات. فتكلفة التحكيم في بعض الحالات تكون مرتفعة مقارنة بالتقاضي أمام المحاكم، مما يجعلها عبئاً على الأفراد والشركات الصغيرة.

كما أن بعض القضايا التحكيمية تمتد لفترات طويلة، رغم أن التحكيم يفترض فيه السرعة، وذلك بسبب مماطلة أطراف النزاع أو تأخر المحكّمين في إصدار الحكم.

كذلك تظهر مشكلة تعيين محكّمين غير مؤهلين بشكل كافٍ نتيجة العلاقات الشخصية أو المجاملات، مما قد يؤثر على جودة القرارات ويضعف الثقة بآلية التحكيم.

وتبقى الحاجة قائمة لتطوير مستمر في قانون التحكيم، خصوصا مع تسارع التطورات في التجارة الإلكترونية والعقود الذكية والمعاملات الحديثة التي تتطلب تحديثاً مستمراً يواكب المعايير الدولية.

والتحكيم يمثل شكلاً متقدماً من العدالة البديلة، لكنه ليس حلاً مثالياً دائما. نجاحه يعتمد بشكل كبير على كفاءة المحكّمين ونزاهتهم، وعلى مدى التزام الأطراف بالإجراءات وعدم إساءة استخدامها. لذلك فإن تطوير القانون، وتشديد شروط اختيار المحكّمين، ووضع ضوابط أوضح لمسؤولياتهم، كلها أمور ستعزز من فاعلية التحكيم وتضمن تحقيق العدالة بصورة أفضل.

وفي النهاية، يبقى التحكيم وسيلة مهمة وأساسية لحل المنازعات في العصر الحديث، وقد أسهم بشكل ملموس في تنظيم العلاقات التجارية وحماية الحقوق. ومع ذلك، فإن الاعتراف بمزاياه لا يمنع من الإشارة إلى نقاط الضعف التي تحتاج إلى معالجة، فالقوانين التي لا تتطور تصبح عاجزة عن خدمة المجتمع. وتطوير قانون التحكيم سيجعل منه أداة أكثر قوة وموثوقية، ويعزز ثقة الأفراد والشركات في اللجوء إليه كخيار فعّال وسريع لتحقيق العدالة.

شهد عبدالعزيز الشمري

كلية الدراسات التجارية - تخصص قانون

آخر الأخبار