وجهة نظر
يُقدم التعليم الإلكتروني على أنه خطوة متقدمة نحو مستقبل أكثر مرونة وحداثة، لكن الواقع يكشف أن هذا التحول غالباً ما يُستخدم لتجميل مشكلات أعمق في الأنظمة التعليمية، دون معالجتها جذرياً. فبدل أن يكون تطويراً حقيقياً لجودة التعلم، أصبح في بعض السياقات مجرد شعار تقني يخفي ضعف البنية التربوية الأساسية. أبرز الإشكالات تتمثل في اتساع الفجوة الرقمية بين الفئات الاجتماعية، إذ يستفيد طلاب المدن والمجتمعات الميسورة من منصات تعليمية متقدمة، بينما يبقى طلاب المناطق الفقيرة محرومين من أبسط المقومات مثل الإنترنت والكهرباء والأجهزة. وهكذا يتحول التعليم الإلكتروني إلى امتياز يرسّخ عدم المساواة بدل أن يُلغيها. أما على مستوى الجودة، فإن عدداً كبيراً من المعلمين والطلاب وجدوا أنفسهم أمام أدوات جديدة دون تدريب كافٍ أو دعم فعلي، مما جعل العملية التعليمية تتحول إلى محتوى سريع وامتحانات آلية تفتقر إلى روح التفاعل والحوار. وبذلك يفقد التعليم الإلكتروني جوهره التربوي، ويتحول إلى عملية ميكانيكية لا تعزّز التفكير ولا تبني مهارات حقيقية. وفي النهاية، يبقى جوهر المشكلة ليس في التقنية نفسها، بل في طريقة توظيفها. فالتعليم الإلكتروني يمكن أن يكون ثورة حقيقية لو استُخدم بوعي، لكنه في صورته الحالية يتحول غالباً إلى بديل سهل ورخيص، يُنتج مخرجات تعليمية ضعيفة. إن إصلاح التعليم الرقمي يبدأ بإصلاح فلسفته ومحتواه، لا بالاكتفاء بتغيير شكله الخارجي.
سعود مطر الزعبي