الانفتاح لا يستقيم مع التشدد، إما هذا أو ذاك، ومناسبة الحديث أن الحكومة أقرت فتح باب الزيارات، لكن لا تزال هناك بعض الملاحظات، ومنها على سبيل المثال، لماذا لا يكون الاستقبال جيداً للقادمين، على عكس ما يجري اليوم، وكأن التعامل معهم من باب المنية عليهم، وليس هم من يشجعون على الإنفاق العام، ويزيدون الحركة التجارية في البلاد.
في هذا الشأن، ثمة الكثير من الملاحظات التي لا بد من وضعها أمام المعنيين كي يعملوا على حلها، أسوة بباقي دول الخليج الأخرى، التي تشجع الجميع على زيارتها، لأن القناعة عندها أن هؤلاء هم عصب الحركة الاقتصادية، بشكل أو بآخر.
بينما عندنا، فإن القادم إلينا ربما يكون يبحث عن فرصة لمشروع يفيد البلاد، أو أنه يبحث عن عمل يكون قيمة مضافة، أو يزور أهله، أو الأصدقاء، وفي كل الحالات فهو ينفق المال الذي كان من جلبه سينفقه في بلاده حين كانت الزيارات ممنوعة، فكان الإنفاق على السياحة في الخارج كبيراً، وهذا لا شك يكلف الدولة الكثير، لهذا، لماذا، مثلاً، يمنعون عمن يبحث عن عمل، ولديه تأشيرة زيارة من ذلك؟
لهذا، إن الخطوة كبيرة، وشكراً لمن اتخذها، لكن إذا عولجت بعض المشكلات حينها يمكن توظيفها في خدمة الناتج الوطني، فالبلد بحاجة إلى مشاريع عدة، خدماتية، وإنمائية، وسياحية وغيرها، وهذا يفتح الباب أمام المستثمرين كي يدخلوا بقوة في الاستثمارات المتاحة.
هذا لا شك يتطلب أيضاً، الكثير من التسهيلات، ليس للأجنبي، إنما للمستثمر المواطن الذي هو صورة عن واقع الاقتصاد المحلي عند الآخر، الأجنبي أو العربي وحتى الخليجي، فإذا لاحظ صاحب رأس المال العقبات التي تواجه المستثمر المحلي، فلن يكون مرتاحاً في تعامله، ولهذا يأنف عن الاستثمار في الكويت.
من هنا، حين نقارن بيننا وبين الشقيقات الخليجيات، فإننا نسلط الضوء على مكامن الخلل لدينا التي من الواجب إصلاحها بسرعة، لا سيما في حرية النشاط التجاري، وكذلك عوامل الانفتاح التي أمّنتها تلك البلدان كي تستقطب أكبر عدد من المستثمرين والزوار، وغيرهما مما يخدمون اقتصاداتها.
ففي وقت نلاحظ أن تلك الدول تعمل على تيسير الحياة أمام المقيم والزائر، ومنح الجميع الكثير من التسهيلات، يجري عكس ذلك في الكويت، إذ على سبيل المثال، إذا كان هناك تشابه أسماء يصار إلى منع الزائر من الدخول، أو إذا كان عليه قيد أمني قديم، وقد عفى عليه الزمن، وكان من الجنسيات التي ليس مسموحاً لها بزيارة الكويت، لكن لديه إقامة في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، يمنع من الزيارة أو تجري عرقلتها، بينما في الدول الأخرى تسهل معاملته ويدخل، وينجز عمله، ويغادر.
في المقابل، ماذا عن المشاريع لدينا، وكذلك لدى الآخر؟ في دبي وحدها هناك ما يزيد على عشرة مشاريع تكلف مئات الملايين من الدولارات، قيد الإنجاز حالياً، وبعضها يعتمد على التمويل من الدولة، فيما هناك مستثمرون من دول أخرى، إضافة إلى بناء فنادق جديدة، كذلك في أبوظبي هناك مشاريع ترفيهية عدة، كذلك رأس الخيمة، ومشاريع تطوير الواجهات المائية في أم القيوين.
إن كل هذا يخدم الاقتصاد الإماراتي، فقد شكّل القطاع غير النفطي العام الماضي أكثر من 75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، بينما في الكويت، منذ سنوات إلى اليوم، نسمع عن مشاريع ترفيهية، وتزدحم الصحف بتصريحات للوزراء عن بعضها، لكن في الواقع تراها الغالبية مجرد أحلام، فالمواطن لم يشاهد أياً منها واقعاً، لأن لا الدولة نفذتها، ولا سمحت للموطنين بذلك، أو أفسحت في المجال أمام الاستثمار الأجنبي أن ينفذها، ولا منحت حوافز وتسهيلات للمستثمر المحلي لكي ينشط، ويعمل على تنفيذ أي مشاريع إنمائية.
لهذا، إذا كان المطلوب مواكبة الاقتصادات الخليجية، علينا البدء في بنية تحتية خدماتية، من فنادق ومشاريع ترفيهية، وغيرها، ما يساعد على التطوير، ومنح تسهيلات للمستثمرين المواطنين والأجانب، كي تكون لدينا مثل هذه المشاريع، إذ ماذا يمنع أن يكون لدينا أكبر "مول" على مستوى المنطقة، وكذلك شبكة فنادق كبرى، وأماكن ترفيه، وغيرها، أليس من حق الكويت أن تنافس في هذه المجالات، ولديها أموال حكومية وكذلك أهلية مستثمرة في الخارج، بسبب الصعوبات في الاستثمار المحلي؟
نضع هذه الأسئلة أمام سمو رئيس مجلس الوزراء، وأمام كل من يعنيهم الأمر، علّنا نخرج من دوامة الأحلام والتصريحات، إلى واقع يصبح المواطن شريكاً أساسياً في عملية نهضة اقتصاد يكون منافساً إقليمياً.