الخميس 18 ديسمبر 2025
12°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
لغة الأرقام لا تقبل الخيال والمبالغة
play icon
كل الآراء

لغة الأرقام لا تقبل الخيال والمبالغة

Time
الاثنين 01 ديسمبر 2025
م. عادل الجارالله الخرافي

في العام 1967 وأثناء الحرب، كان أحمد سعيد مذيع إذاعة "صوت العرب"، يقول ومنذ اللحظة الأولى لبدء إطلاق النار، أن الجيوش العربية وصلت إلى المنطقة كذا داخل فلسطين، وأنها أسرت الآلاف من الجنود الإسرائيليين، وغيرها مما اتضح بعد ستة أيام أنها كانت بروباغندا غير صحيحة على الاطلاق، ولهذا فإن العرب حتى اليوم لا يزالون يعملون على "إزالة آثار العدوان"، كما درجت العادة العربية.

مناسبة هذه المقدمة هي أن لغة الارقام ليست رواية قابلة للخيال، وبالتالي فإن الدقة فيها أساس لبناء دراسات تتصل بالحياة اليومية للناس، خصوصا اذا كان المقصود منها تبيان حجم ضرر معين وقع على دولة ما، لأن التهويل هنا يصبح مصدراً للقلق العام، بينما العلاج الوحيد هو الشفافية لأنها المقياس، والحقيقة هي الهدف، وليست الإثارة.

وحين تصدر أي أرقام في وسيلة إعلام، فهي تحمل الجدية، بل درجت العادة في وسائل الإعلام الغربية، والكثير من العربية التدقيق في ذلك، ومراجعة الجهات المتخصصة، لأن لا مجال للإثارة، فالناس تريد معرفة الحقيقة، كي تبني مواقفها على ذلك، لهذا فإن نسج الأساطير ليس مكانه البيانات الرسمية، أو الأرقام.

من هنا عندما قرأت قبل ايام عن تكاليف مجموعة معينة من المزورين، اثار الأمر الكثير من الأسئلة التي يمكن أن يذهب اليها الخيال في تعميم صورة مشوهة تؤسس إلى ما يمكن أن يتحول نوعاً من التسطيح، المقصود منه جعل القارئ يسأل عما اذا كانت هناك عدالة في الانفاق بين المواطنين، وهذه بالطبع سلبية لها الكثير من التأثيرات على المواطنين.

على سبيل المثال فإن المواطن يكلف الدولة سنويا في "الصحة" نحو 499 ديناراً كويتياً، وحتى هذا الرقم التقريبي، فيما "التعليم" يكلف بين 500 و 2200 دينار، وهذه الارقام نشرتها جهات رسمية، وهي موضوعة بعد دراسة متأنية، وحسابات دقيقة، فيما يأتي أحدهم وينشر أرقاماً لا تمت بصلة إلى الحقيقة، وهناك الكثير ممن يرون تلك الارقام غير الصحيحة على انها حقيقة، ما يعني التهويل، وهذا لا يخدم المجتمع ولا الدولة.

لا شك أن هذا يضع علامة استفهام بشأن بقية الارقام، وأن التكلفة تلك مبالغ فيها، لا سيما إن ضربنا عدد الكويتيين بالتكلفة التي وردت فإن ذلك يعني ان التكلفة تزيد عن اربعة تريليوينات دينار، منذ التحرير إلى اليوم، فيما الحسبة البسيطة للدخل السنوي للنفط، تكشف عن أن هذا الرقم مبالغ فيه.

فإذا كانت الكويت صدرت في العام 2024 نفط بـ21.12 مليار دينار، واذا اعتبرنا المتوسط السنوي 25 ملياراً، ففي 30 سنة، اي بعد التحرير، يكون الرقم 750 مليار دينار، فمن أين أتى ذلك المبلغ الضخم، إذا حسبنا أن التكلفة التي سجلت على المزورين هي عامة على الكويتيين؟

تعليقي على ذلك أن الشفافية مطلوبة في الارقام، والمؤشرات وغيرهما، فالناس لديها القدرة على البحث والمعرفة، وبالتالي فإن الخطأ بالارقام لا يخدم المصلحة العامة، اما إذا كانت الارقام التي نشرت الاسبوع الماضي صحيحة، فذلك يعني مشكلة كبيرة، لكن إذا كانت مجرد حسبة تقريبية غير مستندة على إحصائيات واقعية، فهذه إثارة في غير محلها.

آخر الأخبار