الثلاثاء 30 ديسمبر 2025
11°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
تريّث ولا تستعجل الحكم على الآخرين
play icon
كل الآراء

تريّث ولا تستعجل الحكم على الآخرين

Time
الأربعاء 03 ديسمبر 2025
محمد الفوزان
قصص إسلامية

يُحكى أنه في يوم ما وفي أحد القطارات، كان يجلس شاب في مقتبل العمر إلى جوار أبيه العجوز، كان فرحاً جداً، وكان يسأل أباه عن كل شيء يراه في طريقه، وكان يشعر بالدهشة والفرحة من كل شيء يخبره به أبوه.

كان هناك شابان يجلسان بالقرب منهما، وكانت قد تملكتهما الدهشة بشأن الشاب، وظنا أنه يعاني من خلل عقلي أو نفسي، فقد كان يندهش وينفعل من أشياء لا تثير الدهشة لشاب في هذا العمر.

لم يستطع الشابان الصمت، وسألا الرجل العجوز عن ابنه وعن ضرورة أخذه إلى طبيب للكشف عليه، فهو يبدو غير عاقل.

ترقرقت عينا الرجل العجوز بالدموع، وأخبرهما أن ابنه كان ضريراً، وأنه قد استعاد بصره اليوم للمرة الاولى في حياته، شعر الشابان بالحرج الشديد، واعتذرا من الرجل وابنه، وندما على تسرعهما في الحكم عليه.

وفي حكاية أخرى كان هناك رسّام عجوز في قرية صغيرة، وكان يرسم لوحات غاية في الجمال، ويبيعها بسعر جيّد، وفي يوم ما أتاه فقير من أهل القرية وقال له: "أنت تكسب مالاً كثيراً من أعمالك، فلماذا لا تساعد الفقراء في القرية"؟

انظر إلى الجزار الذي لا يملك مالاً كثيراً، ومع ذلك يوزّع كل يوم قطعاً من اللحم المجّانية على الفقراء. وانظر إلى الخبّاز رغم أنه رجل فقير ذو عيال، إلا أنه يعطي الفقراء خبزاً مجانياً كل يوم.

لم يردّ عليه الرسام، وابتسم بهدوء.

خرج الفقير منزعجاً من عند الرسّام، وأشاع في القرية أنّ الرسام ثريٌ جداً يكتنز الأموال، لكنّه بخيلٌ جداً، ولا يساعد الفقراء، فنقم عليه أهل القرية، وقاطعوه وهجروه.

بعد مدّة مرض الرسّام العجوز، ولم يعره أحدٌ من أبناء القرية اهتماماً، ومات وحيداً.

مرّت الأيّام ولاحظ أهل القرية أنّ الجزار لم يعد يرسل للفقراء لحما مجّانيا، وكذلك الخباز الشهم صار لا يمنح الفقراء خبزاً مجانياً!

رغم توافدهم عليه ورجائهم له، وعندما سألوهما عن سبب توقّفهما، قالا: "أنّ الرسّام العجوز الذي كان يعطينا كل شهر مبلغاً من المال لنعطي الفقراء اللحم والخبز قد مات، فتوقّف ذلك بسبب موته"!

أسوأ الوجع من يسيء الظن بك، وهو لا يعلم ما الذي فعلته لأجله

سوء الظن مرض اجتماعي يقتل كل جميل.

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ".

فإن الظن السيئ يزرع الشقاق بين المسلمين، ويقطع حبال الأخوة، ويمزق وشائج المحبة، ويزرع العداء والبغضاء والشحناء.

قال ابن القيم: "أما سوء الظن فهو امتلاء قلبه بالظنون السيئة بالناس، حتى يطفح على لسانه وجوارحه، فهم معه أبداً في الهمز واللمز والطعن، ويؤدي إلى تتبع عورات المسلمين".

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إيَّاكم والظنَّ؛ فإن الظنَّ أكذبُ الحديث"(متفق عليه).

لا تستعجل الحكم على الناس بما يقلّل من شأنهم؛ فقد يكونون من الرقي بدرجة لا يمكنها أن تخطر على بالك. بعضهم يتابع حياتك ليتعلم منك الحكمة، وبعضهم يتتبع خطواتك ليسجل عثراتك في العتمة، وكلاهما معجب؛ لكن الأول بحب، والثاني بحسد.

إذا رأيت إنساناً يسيء الظن بالناس طالباً للعيوب، فاعلم أنه خبيثُ الباطن، وأنَّ خبثه يترشح منه، فإن المؤمن يطلب المعاذير، قيل لعالم: من أسوأُ الناس حالاً؟

قال: من لا يثق بأحد لسوء ظنَّه، ولا يثق به أحد لسوء فعله.

لا تحكم على أحد من ظاهر ما تراه منه، فقد يكون في حياته أموراً أخرى لو علمتها لتغيّر حكمُك عليه.

مات الأول في مرقص ليلي، ومات الثاني في مسجد؟

الأول دخل لينصحهم، والثاني دخل ليسرق الأحذية.

لهذا اتق الله في نفسك، وفي عباد الله، فإن المظاهر خداعةٌ، واعف واصفح وتجاهل، وادع للناس بالهداية والصلاح، وكن طيِّباً، ولا تقاطع أحداً مادام لا يؤذيك، ودع الحبل موصولا مع الجميع تكسب رضا الله ومحبة الناس.

يقول الشاعر والأديب الكبير (رحمه الله) غازي القصيبي:

لو استبدلنا المقولة الشهيرة: للجدران أذآن، بالمقول الصحيح: للملائكة أقلام، لخرج لنا جيل يراقب الله ولا يراقب الناس ويحكم عليهم".

امام وخطيب

[email protected]

آخر الأخبار