الجمعة 12 ديسمبر 2025
17°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
العائق ليس غياب  مجلس الأمة
play icon
كل الآراء

العائق ليس غياب مجلس الأمة

Time
الخميس 11 ديسمبر 2025
عبدالعزيز محمد العنجري

بدعوة كريمة من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي حضرتُ، كمستمع، ندوة قيّمة بعنوان "دور التحوّل في الطاقة في تنويع الاقتصاد في دولة الكويت"، التي جمعت أكاديميين دوليين، وخبراء محليين من القطاع النفطي.

ورغم تنوّع الطروحات خلال الجلستين اللتين حضرتُهما، جاءت نقطة التحوّل مع مداخلة بابتيست كنيبيلّير من شركة "هارتري"، وهي مداخلة لم تكن لتبرز لولا السؤال المباشر الذي طرحه جيم كراين، الباحث المخضرم في شؤون طاقة الشرق الأوسط والمنتسب إلى معهد "بيكر" في جامعة "رايس": "هل يُعَدّ غياب مجلس الأمة الآن عنصراً إيجابياً يسهّل تنفيذ المشاريع النفطية العالقة"؟

لم ينجر بابتيست إلى مربّع السياسة، بل ذهب مباشرة إلى جوهر المشكلة. فقد أشار إلى أن الكويت تضم أكثر من 80 جهة حكومية تعمل في ملفات ترتبط بالطاقة والبيئة، لكن بلا تنسيق فعلي، ولا رؤية تنفيذية موحّدة، ولا طاولة مشتركة تجمع هذه الجهات تحت إطار واضح واحد.

ولفت النظر إلى جانب بالغ الحساسية في ملف التحول الطاقي: شحّ الأراضي الصالحة للمشاريع الكبرى، والقيود التي يواجهها المستثمر الأجنبي عند دخوله السوق الكويتية.

وأوضح أن الدول التي تتقدّم في استثمارات الطاقة تمنح للمستثمر حق الانتفاع طويل الأمد، أو توفر له إطاراً تشريعياً مستقراً يحمي مشروعه طوال فترة الاستثمار، وهو ما لا يتوافر في الكويت بالقدر الكافي.

أضاف أن غياب هذا الوضوح وندرة الأراضي المخصّصة لمشاريع الطاقة يعرقلان توسّع الاستثمارات ويجعلان التمويل الأخضر أكثر تعقيداً.

وأشار أيضاً إلى أن المستثمر لا يبحث فقط عن العائد، بل عن ضمانات مؤسسية تجعل المشروع قابلاً للتمويل من البنوك والصناديق الدولية، وهو ما يستلزم إصلاحات قانونية وتنظيمية موازية للمبادرات الفنية والاقتصادية. فغياب هذه البيئة المتكاملة هو ما يصنع الفجوة الحقيقية بين الرؤية والنتيجة.

وباختصار، وفي دقائق معدودة، قال بابتيست ما معناه إن المشكلة لم تكن في مجلس الأمة، ولم تزُل بغيابه، وإن ظنّ البعض أن المجلس هو العائق، فالعائق الحقيقي يكمن في مكان آخر… في البنية المؤسسية ذاتها.

وليس بابتيست كنيبيلّير متحدثاً عابراً أو محللاً ينظر من خلف مكتب بعيد؛ بل هو مستشار أول في شركة "هارتري" يمتلك خبرة طويلة في إدارة فرق الطاقة والعمل مع قيادات قطاع النفط والغاز. والأهم من ذلك أنه عمل في الكويت، ولا يزال قريباً من مؤسساتها وبيئتها التشغيلية. لذلك لم تُقرأ ملاحظاته كوجهة نظر، بل كتشخيص مهني مباشر.

وقد أعاد هذا القدر من الصراحة إلى ذهني ما افتقدناه في الكويت؛ ذلك الأسلوب الحواري الرصين الذي كان فيه السؤال الصريح جزءاً أساسياً من النقاش العام، لا استثناءً عليه.

ولا يفوتني في هذا السياق أن أقدّر لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي تنظيم هذا النوع من الحوارات الرصينة، وإتاحة مساحة نقاش تُحترم فيها الصراحة بوصفها مدخلاً للفهم، لا باباً للجدل.

وآمل أن يستمر هذا النهج الذي يفتح المجال أمام نقاشات أكثر عمقاً وصدقاً، ويعيد إلى الساحة الكويتية بعضاً مما عُرف عنها يوماً من جرأة السؤال، ورحابة الحوار وسعة التفهّم في القضايا المهمة.

Abdulaziz_anjri@

آخر الأخبار