لا ننكر الدور الايجابي الذي تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا اليوم، لكننا بالمقابل لا نغفل الآثار السلبية التي تتركها هذه الوسائل علينا كباراً كنا أم صغاراً.
ومن هنا أخذت الكثير من الجهات الحكومية، وبالتحديد التربوية والتعليمية خصوصا في الدول المتقدمة تستشعر مخاطر هذه الوسائل، فبادرت إلى سن التشريعات والقوانين لمواجهة هذه الظاهرة والحد من خطرها، وكانت الحكومة الأسترالية سباقة في هذا المجال، فأعلنت تشريعاً جديداً يهدف إلى حظر وصول الأطفال دون سن 16 إلى وسائل التواصل الاجتماعي، في خطوة تسعى من خلالها إلى حماية الجيل الجديد، والمحافظة على الصحة العامة للأطفال من التأثيرات السلبية المتزايدة للتواجد الرقمي المستمر على صحتهم، النفسية والجسدية.
وبالفعل، بدأت استراليا اعتباراً من يوم الأربعاء الماضي 10 ديسمبر الجاري، تطبيق القانون في إطار حزمة من الإجراءات التي وصفت بأنها "رائدة" عالميا للمحافظة على الصحة البدنية والعقلية للأطفال بسبب الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
من جانب آخر اعدت العديد من الجهات المعنية في دول عدة برامج توعوية وتثقيفية تحذيرية تجاه هذه الظاهرة، بل ان بعض الجهات باشرت فعلاً بوضع برامج ومناهج رديفة في دور الحضانة، ورياض الأطفال، وحتى في المدارس تستهدف الجيل الجديد من سن 4 إلى 12 عاما، تعمل هذه البرامج على تقديم النصح والتوعية من مخاطر استخدام وسائل التواصل وتأثيرها الاجتماعي والنفسي على الطفل والتسبب في انعزاله، والحد من قدرته على الكلام والتواصل الطبيعي مع الناس.
وتهدف هذه البرامج التي يمكن اعتبارها برامج "إثراء" مساعدة ورديفة للمناهج الأساسية، إلى تنمية الوضع الاجتماعي للطفل ودعم حالته النفسية وتقوية شخصيته المعنوية وصحته العامة. بالإضافة إلى تقديم النصح والإرشاد للأهالي وذوي الأطفال على كيفية التعامل مع الأبناء، ودفعهم إلى الابتعاد عن استخدام وسائل التواصل والحد من التعامل معها، وقد حرصت الجهات التي أعدت هذه البرامج على مشاركة متخصصين، ومؤسسات تعليمية إرشادية، بل وطبية ونفسية في وضع هذه البرامج التي تشمل أيضا معلومات وتدريبات خاصة للأهالي على كيفية الاستفادة من البرامج والمناهج وتدريبهم على أفضل السبل للتعاطي مع الأبناء ومواجهة مشاكلهم الصحية والنفسية والاجتماعية والجسدية.
وفي حين تنتقد بعض منصات ومزودات خدمات التواصل الاجتماعي القرار وتدافع عن دورها في تزويد خدماتها إلا أن الحكومة الأسترالية حذرت شركات التواصل لتتحمل مسؤوليتها وستُلزم المنصات، بالالتزام بالقرار وإلا ستواجه غرامات باهظة.
في النهاية نؤكد أن دخول الأطفال المبكر لوسائل التواصل يخلق مشكلات، ويخلف آثار سلبية كبيرة خصوصا أن المحتوى في هذه المواقع متنوع، وغير مخصص لفئة عمرية بحد ذاتها، فما أحوجنا لمثل هذه القوانين، ومثل تلك المناهج والبرامج المساعدة والرديفة للمناهج الأساسية، التي تسهم في تنمية الوضع الاجتماعي للطفل ودعم حالته النفسية وتقوية شخصيته المعنوية.
كاتب سوري
[email protected]