لم يكن 2025 عاماً عادياً في المسار التشريعي العقاري الكويتي، فبعيداً عن كثرة النصوص، برز تحول نوعي في فلسفة التشريع نفسها والانتقال الواضح من الاكتفاء بتنظيم الملكية إلى حوكمة السوق العقاري، ومن المعالجة المجتزأة إلى بناء منظومة مترابطة تمس التملك، الاستثمار، التنفيذ، التوثيق والشفافية.
هذه التشريعات لا يمكن قراءتها كنصوص منفصلة، بل كحزمة إصلاحية واحدة تعكس توجه الدولة إلى حماية السكن الخاص، وتنظيم الاستثمار المؤسسي، ومكافحة الصورية والمضاربات غير المنتجة، واستعادة التوازن بين الحقوق والالتزامات في السوق، ويمكن قراءة هذه القوانين من خلال:
أولاً: تملّك غير الكويتيين والشركات… انفتاح محسوب لا تفريط فيه
1. المرسوم بقانون رقم (7) لسنة 2025
جاء هذا التعديل على قانون 74 لسنة 1979 ليؤكد أن الكويت لا ترفض الانفتاح، لكنها ترفض الفوضى التشريعية. فقد حمل بعدًا إنسانيا مهما بتمكين أبناء المرأة الكويتية من جنسيات عربية من الاحتفاظ بالعقار الموروث عن الأم، منهياً حالة عدم الاستقرار القانوني التي عانت منها هذه الفئة لسنوات، ومؤكدًا أن التشريع العقاري ليس أداة اقتصادية فحسب، بل وسيلة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي.
2. مرسوم ضوابط تملّك الشركات والصناديق العقارية (195 لسنة 2025)
أكد هذا المرسوم أن الاستثمار المؤسسي مرحّب به ضمن ضوابط صارمة، مع حظر مطلق لدخول هذه الكيانات في عقارات السكن الخاص. وهو ما يعكس توجّها تشريعيا واضحا لحماية المواطن من منافسة غير عادلة، وفي الوقت ذاته تنظيم الاستثمار ورفع مستوى الشفافية والحوكمة في السوق العقاري.
ثانيًا: الإسكان… تصحيح تشريعي تمهيداً لحلول مختلفة
1. إلغاء المادة (29 مكررًا) – المرسوم بقانون رقم (83) لسنة 2025
بعد إلغاء هذه المادة، أغلقت الدولة ملفا شائكا عُرف بملف "من باع بيته"، وأعادت ترتيب مفهوم الاستحقاق في الرعاية السكنية، تمهيدًا لمرحلة جديدة أكثر عدالة واستقرارا، بعيدا عن التحايل أو التضارب في المراكز القانونية.
2. تعديل قانون إنشاء المدن والمناطق السكنية – المرسوم بقانون رقم (89) لسنة 2025
يُعد هذا التعديل إقراراً صريحاً بأن معالجة أزمة الإسكان لم تعد ممكنة بالأدوات التقليدية وحدها، وأن القطاع الخاص بات شريكاً رئيسياً في الحل، ضمن إطار تشريعي منضبط يهدف إلى خلق مشاريع سكنية متكاملة تخفف الضغط عن المؤسسة العامة للرعاية السكنية.
ثالثًا: أملاك الدولة وبدل الانتفاع… بين إعادة التسعير واستقرار السياسات
برز القرار الوزاري رقم (54) لسنة 2025 الصادر عن وزارة المالية بتعديل لائحة بدل الانتفاع بأملاك الدولة الخاصة العقارية كأحد أكثر القرارات حساسية، لارتباطه المباشر بكلفة تشغيل واستغلال العقارات. وقد أثار صدوره ثم وقف العمل به نقاشا مشروعا حول استقرار السياسة التسعيرية، وأهمية التدرج والوضوح في فرض الرسوم، بما يحقق التوازن بين حق الدولة في إدارة أصولها وجاذبية البيئة الاستثمارية.
رابعًا: التسجيل العقاري… نهاية زمن الصورية
شكّل القرار الوزاري رقم (194) لسنة 2025 (وزارة العدل) إلزام إثبات الدفع في المعاملات العقارية عبر التحويلات البنكية أو الشيكات المصدّقة نقلة نوعية في ضبط السوق، إذ أسهم في الحد من العقود الصورية، وتعزيز الشفافية، ورفع موثوقية السجل العقاري، بما يخدم أطراف التعاقد ويحمي السوق من التشوهات.
خامسًا: التنفيذ والديون… استعادة التوازن المفقود
صدرمرسوم بقانون رقم (59) لسنة 2025 بتعديل بعض أحكام قانون المرافعات، حيث
جاء تعديل قانون المرافعات لسنة 2025 ليعيد أدوات تنفيذ فعّالة بعد سنوات من اختلال ميزان الدائن والمدين، الأمر الذي انعكس إيجابا على الثقة في التعاملات العقارية، وأعاد الاعتبار للعقار كضمان مالي حقيقي، مع التأكيد على أن نجاح هذه الأدوات مرهون بحسن تطبيقها لا بالنص وحده.
سادسًا: لماذا بدأ الحديث عن تصحيح أسعار العقار الآن؟ (مقارنة بين مرحلتين)
بالمقارنة بين المشهد العقاري قبل 2025 وما بعده، يتضح سبب غياب الحديث الجاد سابقا عن انخفاض الأسعار، وحضوره اليوم بقوة، ففي السنوات الماضية، كان السوق مدعوما بعوامل تثبيت مصطنعة، أبرزها حبس الأراضي الفضاء خارج التداول، ووفرة نسبية في القدرة الشرائية، وغياب أدوات تنظيم فعّالة تضبط الصورية والمضاربات، إلى جانب غياب ضغط تشريعي حقيقي يدفع الملاك إلى البيع أو التطوير.
أما اليوم، فقد تغيّرت المعادلة؛ إذ تزامن اقتراب التطبيق الفعلي لقانون مكافحة احتكار الأراضي الفضاء مع تراجع الطلب، وتآكل القدرة الشرائية، واستمرار غياب التمويل العقاري الفعّال، فضلًا عن دخول بعض البيوع الاضطرارية إلى السوق في ظل بيئة أكثر تشددا في التوثيق والتنفيذ. وهذه المقارنة تفسّر لماذا لم يكن الحديث عن التصحيح واقعيا في السابق، ولماذا أصبح اليوم قراءة منطقية لمسار تشريعي واقتصادي جديد يُعاد فيه ضبط العلاقة بين العرض والطلب، دون أن يعني ذلك انهيارا بقدر ما هو عودة تدريجية إلى تسعير أكثر اتزانا.
سابعا: الأراضي الفضاء… العدّ التنازلي للأثر التنفيذي
رغم أن قانون مكافحة احتكار الأراضي الفضاء صدر في 2023، فإن عام 2025 مثّل عام ما قبل الأثر التنفيذي الحقيقي، بعد استقرار المشهد الدستوري، ما يجعل المرحلة المقبلة حاسمة في اختبار أثره على المعروض والأسعار.
مستشار قانوني عقاري
التطلعات الواقعية المستقبلية
استنادًا إلى اتجاه التشريع لا الأمنيات، يمكن توقّع:
ـ توسّع منضبط في الاستثمار العقاري المؤسسي غير السكني.
ـ تشدد أكبر في التوثيق والرقابة المالية.
ـ تسريع رقمنة التسجيل العقاري.
ـ احتمال صدور إطار تمويل عقاري متوازن مع حماية المسكن الأساسي.
ـ انتقال السوق من "سوق أفراد" إلى "سوق منظم متعدد الأدوات".