تشكل المخدرات واحدة من أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات، لما تتركه من آثار مدمرة على الفرد والأسرة، والأمن والاستقرار الاجتماعي، ومن هنا جاء الاتجاه إلى تغليظ العقوبات على جرائم المخدرات، باعتباره إجراء ضروريا لردع المتاجرين والمروجين، وحماية المجتمع من انتشار هذه الآفة.
غير أن الاعتماد على العقوبة وحدها لا يحقق الهدف المنشود، ما لم يقترن بمنظومة علاجية متكاملة، تعالج جذور المشكلة، وفي مقدمتها الإدمان، بوصفه مرضا يستدعي العلاج والرعاية المتخصصة.
إن الإدمان ليس انحرافا أخلاقيا فقط، بل حالة مرضية معقدة، تتداخل فيها العوامل النفسية والاجتماعية والصحية، وهو ما يفرض ضرورة إنشاء مراكز ومستشفيات متخصصة قادرة على تقديم برامج علاج، وتأهيل شاملة تساعد المدمن على التعافي، واستعادة قدرته على ممارسة حياته بشكل طبيعي.
إن فتح هذه المراكز يمثل طوق نجاة حقيقيا لآلاف الحالات التي تحتاج إلى الدعم، الطبي والنفسي، بدلا من الاكتفاء بالعقاب الذي قد يزيد من تفاقم المشكلة.
وتكمن أهمية هذه المراكز في قدرتها على الحد من نسب الانتكاس، والعودة إلى التعاطي من خلال برامج متابعة وتأهيل، طويلة الأمد، كما تسهم في إعادة دمج المتعافين في المجتمع، كأفراد منتجين، وتخفيف الأعباء الملقاة على كاهل المؤسسات الأمنية، والسجون، إضافة إلى تقليل الكلفة، الاجتماعية والاقتصادية، الناتجة عن استمرار الإدمان دون علاج فعال.
إن التزامن بين تغليظ العقوبات، وفتح مراكز علاج الإدمان، يحقق توازنا ضروريا بين الردع والإصلاح فمن جهة يتم توجيه رسالة حازمة، لكل من تسول له نفسه الاتجار أو الترويج، ومن جهة أخرى يتم فتح باب الأمل أمام المدمنين للعلاج، والتعافي بدلا من إقصائهم، أو دفعهم إلى مزيد من الانحراف.
وفي هذا الإطار يصبح الاستثمار في إنشاء المستشفيات والمراكز المتخصصة ضرورة وطنية، لا تقل أهمية عن سن القوانين الرادعة، فالمجتمع الآمن هو الذي يحمي أبناءه بالعقوبة حين يلزم، وبالعلاج حين يكون العلاج هو السبيل الأجدى، وبذلك تتحقق رؤية شاملة لمكافحة المخدرات تقوم على الوقاية والعلاج، والردع معا، وتؤسس لمستقبل أكثر أمنا واستقرارا للمجتمع بأكمله.
محام كويتي