السبت 20 ديسمبر 2025
14°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
آراء طلابية

الرسوم القضائية بين تنظيم العدالة وإعاقة الوصول إليها

Time
الخميس 18 ديسمبر 2025
عمر عبدالكريم الرشيدي
وجهة نظر

تُعد الرسوم القضائية احدى الأدوات التي تعتمدها الدول لتنظيم سير الدعاوى أمام المحاكم، والحد من الكيدية أو العبثية، غير أن الإفراط في فرض هذه الرسوم، أو عدم مراعاة الأوضاع المالية للمتقاضين، قد يحوّلها من وسيلة تنظيمية إلى عائق حقيقي أمام تحقيق العدالة.

إن العدالة، في جوهرها، حق أصيل لكل فرد، ولا يجوز أن تكون مرهونة بالقدرة المالية. فحين تصبح الرسوم القضائية مرتفعة، أو متراكمة على مختلف مراحل التقاضي، فإن ذلك يثني كثيراً من أصحاب الحقوق، خصوصاً ذوي الدخل المحدود، عن اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحقوقهم المشروعة، وبهذا تتحول العدالة من حق مكفول للجميع إلى امتياز لا يناله إلا القادرون.

ومن الإشكالات البارزة في الرسوم القضائية، أنها لا تميّز في كثير من الأحيان بين الدعوى الجدية والدعوى الكيدية، ولا بين المتقاضي الميسور والمتقاضي المعسر، فالرسوم تُفرض بصيغة عامة، دون آليات مرنة تراعي الظروف الاجتماعية والاقتصادية، مما يتعارض مع مبدأ المساواة أمام القانون، ويُضعف الثقة في المنظومة القضائية.

كما أن الرسوم القضائية المرتفعة قد تؤدي إلى نتائج عكسية، إذ تشجّع على التسويات غير العادلة، أو التنازل القسري عن الحقوق، خوفاً من الأعباء المالية المترتبة على التقاضي.

وهذا يُخلّ بوظيفة القضاء الأساسية المتمثلة في إنصاف المظلوم ورد الحقوق إلى أصحابها. ولا يمكن إنكار حاجة الدولة إلى موارد مالية لتطوير المرفق القضائي، وتحسين كفاءته، إلا أن ذلك يجب ألا يكون على حساب حق التقاضي. فالأصل أن تتحمل الدولة عبء تمويل العدالة باعتبارها مرفقاً عاماً، لا مشروعاً ربحياً، مع الاكتفاء برسوم رمزية أو مدروسة تحقق التوازن بين التنظيم وعدم الإقصاء.

وفي الختام، فإن إصلاح نظام الرسوم القضائية بات ضرورة ملحّة، وذلك من خلال إعادة تقييم قيمتها، وتوسيع نطاق الإعفاءات، وربطها بحالة المتقاضي لا بقيمة النزاع فقط. فعدالة تُثقل كاهل الناس بالرسوم هي عدالة منقوصة، والحق الذي لا يمكن الوصول إليه، يفقد معناه وإن كفله القانون.

عمر عبدالكريم الرشيدي

كلية الدراسات التجارية - قسم قانون

آخر الأخبار