في الستراتيجية الجديدة للأمن القومي الاميركي، ثمة نقاط من الواجب التوقف عندها وقرأتها بتمعن، لانها تعني تغييراً شاملاً عما درجت عليه ادارات البيت الابيض منذ العام 1986 إلى اليوم، رغم بعض التشابه في الخطوط العريضة مع السياسة الخارجية المتعمدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في ما يتعلق بالشرق الاوسط، هذه المنطقة التي كانت تعتبر بوصلة واشنطن في ما يتعلق بعلاقاتها مع القوى الكبرى.
اليوم في الستراتيجية الجديدة المعلنة مطلع الشهر الجاري، ثمة عودة إلى "مبدأ مونرو"، اي الاهتمام اكثر بالدول المحيطة بالولايات المتحدة، مع تغيير تصنيف بعض الدول، فروسيا لم تعد تمثل تهديداً، ومع اعلان مشروع المضيق بين الولايات المتحدة وروسيا في "مضيق بيرنغ"، يمكن القول إن هناك نقطة تحول كبيرة في النظر الاميركية إلى روسيا الحالية، بينما يبقى الصراع الاقتصادي مع الصين هو الاهم، لكن لا يبدو أن هناك اشارات سياسية اميركية لصدام عنيف.
في هذا الشأن ماذا عن المنطقة العربية، وهل التحولات في سياسة الامن القومي الاميركي الجديدة، ستؤثر على دولنا؟
لا شك أن اي تغييرات، مهما كانت ثانوية، تلقي تباعات على الدول المعنية، لهذا فإن الستراتيجية التي اقرتها ادارة بارك اوباما اصبحت من الماضي، وأن العنف الذي هددت فيها، وما يسمى "الربيع العربي" اصبح من الماضي، لا سيما بعدما رأت واشنطن كيف اثّر ذلك على هيبتها ووجودها في الشرق الاوسط.
صحيح أن اسرائيل تعتبر حجر زاوية، وركنا اساسيا في العقيدة السياسية الاميركية، لكن الادارة الحالية تنظر إليها باعتبارها امراً مزعجاً لها، ومؤثراً سلبياً على علاقاتها مع الحلفاء الاقليميين الاكثر فائدة لها من تل ابيب.
من هذه الزواية ننظر إلى النتائج الكبيرة لزيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن، والاتفاقات الموقعة، فهذه بحد ذاتها تقدم فائدة لدول الخليج العربية كافة، لان العمل لن يقتصر على دولة دون اخرى، وبالتالي تحريك عجلة التنمية في الاقليم.
صحيح ان الشعار الذي رفعه الرئيس ترامب في العام 2022، "اميركا اولا" اصبح في الستراتيجية الجديدة اساساً، لكن ذلك لا يمكن تحقيقه إلا ضمن عوامل عدة، ومنها على سبيل المثال عدم الانجرار في حروب طويلة الامد، مع الابقاء على دعم الحلفاء، وهذه ناحية جديرة بالاهتمام، على العكس مما تخيله بعض المراقبين من أن الولايات المتحدة تخلت عن هذه المنطقة، بل ان توقيع الاتفاقات بين هذه الدول واميركا ليست ظرفية او موقتة، بل انها ستراتيجية ترسخت طوال عقود عدة، ومرت بالكثير من الامتحانات الناحجة، وبالتالي لا يمكن فك عراها بهذه البساطة.
إن لدول الخليج قوة كافية كي تستثمر في هذه التحالفات الاقتصادية، وتعزز قوتها في مجالات عدة، لا سيما أن الستراتيجية الاميركية الجديدة عززت ذلك، رغم التغيير الكبير في التوجهات الحالية.