الاثنين 22 ديسمبر 2025
14°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
يا حكومة يكفي المدين همّ الدَّين... وكفى
play icon
الافتتاحية

يا حكومة يكفي المدين همّ الدَّين... وكفى

Time
الأحد 21 ديسمبر 2025
أحمد الجارالله

معروفة الكويت طوال تاريخها أنها دولة رحيمة مع شعبها ومع الآخرين، حتى في أحلك الظروف لم تترك أهلها في العراء، بل عملت على تأمين كل شيء لهم، كي يعيشوا في كرامة، وبعد التحرير أيضاً ساعدتهم في شتى الطرق كي لا يشعروا بأي ضيم.

كذلك خلال سبعة أشهر من الاحتلال وأثناء الغزو العراقي، كانت الروح الوطنية هي العنوان، والتعاضد بين الشبع تجلّى في أسمى الصور التي لا تزال نموذجاً للشعوب، فليس هناك من قدّم مصلحته الشخصية على المصلحة الوطنية، وفي هذا الشأن الكثير من الملاحم المسجلة.

أيضاً، ثمة الكثير من المحطات التي يمكن للمرء التوقف عندها في الرحمة، أكان في الداخل أو الخارج، لأنها من صلب الثقافة الكويتية، فمثلاً، رغم عدم حل قضية "البدون"، لكن لهم بعض الحقوق الطبيعية، ويعملون في الدوائر الحكومية والقطاع الخاص، كما أن غيرهم الكثير ممن تعرضوا لأزمات، إلا أن يد الرحمة امتدت إليهم وانتشلتهم من غياهب الظلمات، وعادوا إلى بلادهم بكل كرامة.

لذا، رغم المأساة التي عاشتها البلاد خلال الغزو، والاحتلال، لم تتخل عن فعل الخير في شتى بقاع العالم، ولنا في الداعية الكويتي المرحوم عبدالرحمن السميط وكذلك المرحوم عبدالله النوري، وغيرهما، الكثير ممن أثروا تاريخ الخير الكويتي عالمياً، وهذه النماذج يمكن البناء عليها في النظر إلى الداخل، والعمل على إعانة المظلوم، كي لا يختل الميزان.

لذا، اليوم عندما تواجه الكويت أي أزمة فهي لديها تاريخ تستمد منه الأساليب للخروج منها، فكيف إذا كان بعضها يُحل بأسهل الطرق، كي لا يشعر المواطن أنه متروك لمصيره، لا سيما من لديهم مشكلات تؤثر في الترابط الأسري، وتمنع تمتع عائلته بالعيش بهدوء، كغيرهم من المواطنين؟

لذا، نوجه كلامنا إلى الحكومة التي هي اليوم، سلطة تنفيذية وتشريعية في الوقت نفسه، أي لديها التشريع والتنفيذ في آن واحد، ونقول: البلاد تعاني اليوم من أزمة لا مجال فيها للشعارات، ولا المبررات غير المنطقية، وهي أزمة المتعثرين والمعسرين، الذين يبلغ عددهم ما يزيد على 200 ألف مواطن.

إن هؤلاء اليوم يعيشون في شرنقة محكمة الإغلاق عليهم، خصوصاً بعد العمل بـ"الضبط والإحضار" الذي أقفل كل الأبواب أمامهم، إلى درجة أن لا أحد منهم يمكنه الخروج من منزله، بل هو مهدد في أي وقت بإلقاء القبض عليه، وبالتالي قطع سبل عيشه.

في المقابل، لدى الدولة الكثير من الخيرات التي يمكنها أن تساعد هؤلاء، وتمنع عنهم المعاناة، وتضمن لأسرهم الحد الأدنى من الكرامة، فالأموال السيادية، ولله الحمد، في تزايد مستمر، والثروة النفطية تكبر، وبالتالي فإن 1.7 مليار دينار لن تكون مكلفة للدولة، إذا أنفقت على حل أزمة هؤلاء الناس.

صحيح أن مشكلة القروض ليست مقتصرة على الكويت، لكن الدول الأخرى عملت على وضع الحلول الإنسانية لها، لأن الهدف ليس فقط تحصيل الحقوق، بل في الدرجة الأولى مراعاة أوضاع الناس، لذا فإن القاعدة الشرعية تقول إن الغرم على المفرط، وليس على من طلب المساعدة، وليس لديه القدرة على السداد، رغم ذلك نال القرض، حتى المقرض أخذ عليه تعهدات يعرف أن المدين لن يوفيها.

صحيح، لقد شرحنا ذلك أكثر من مرة، وقلنا أيضا إن الحقوق الدستورية الطبيعية للمواطنين، في أي دولة، تمنع حجز الحرية، جراء دعوى إدارية أو دين، لأن الجوهر الدستوري هو الكرامة، الحرية، والمساواة، وكذلك مساعدة الناس على الإيفاء بمتطلباتهم، وليس الحبس لتسديد قرض عنوة، لأن في هذه الحالة يخسر المدين والدائن.

لذا، فإن مسالك الرحمة كثيرة، إذا توافرت الإرادة الحكومية في العمل على حل هذه الأزمة الاجتماعية وكذلك الاقتصادية، لا سيما مع انخفاض الإنفاق الاستهلاكي الذي يؤثر في الناتج الوطني، وكذلك في النشاط التجاري.

لذا قديماً قالوا عمن لا يجد يد المساعدة "إنه يصرخ في جليب فيما القوم مشغولون في أنفسهم"، فمن واجب الحكومة أن تعمل على مد يد المساعدة للمواطنين كي تستقيم الدورة الاقتصادية والتجارية، ولا يكون هناك أي ضيم على المواطنين.

وهنا لا بد من التأكيد أنه ليس في العالم شيك بلا رصيد يقود مُصدره إلى السجن، وليست هناك دعوى مدنية تمنع من السفر، أو يساق فيها صغار المقترضين إلى السجن، كما أن أجهزة الدولة ليست أداة تحصيل للدائنين الذين غامروا بأموالهم، ويكفي المدين همّ الدين.

آخر الأخبار