الاثنين 22 ديسمبر 2025
14°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
خطاب العنف ضد المرأة بين الواقع والتوظيف التحريضي
play icon
كل الآراء

خطاب العنف ضد المرأة بين الواقع والتوظيف التحريضي

Time
الأحد 21 ديسمبر 2025
عماد خميس العقاب

هل تحمي المؤتمرات النسائية المجتمع، أم تصنع مظلومية مصطنعة؟

شهدت الكويت خلال الفترة الأخيرة تزايداً ملحوظاً في عدد المؤتمرات والندوات والفعاليات التي تُعقد تحت عناوين متعددة، يتركز معظمها حول قضايا "العنف ضد المرأة" و"تمكين المرأة"، في مشهد يوحي، لمن يراقبه من الخارج، وكأن المجتمع الكويتي يفتقر إلى القانون، وأن المرأة تعيش في بيئة تفتقد الحماية وتتعرض لانتهاكات ممنهجة دون سند تشريعي أو مؤسسي، وهو تصوير لا يعكس الواقع القانوني والاجتماعي للدولة.

فالمعلوم للجميع، لا سيما الجهات والجمعيات العاملة في هذا المجال، أن الكويت تمتلك منظومة تشريعية وقضائية متقدمة، تتضمن قوانين واضحة وصريحة لحماية المرأة والأسرة والمجتمع، إلى جانب وجود مؤسسات أمنية وقضائية متخصصة، تشمل مخافر الشرطة والنيابات المختصة، التي تتعامل مع الشكاوى وفق إجراءات قانونية فورية ومحددة.

ومن ثم فإن تصوير الواقع، وكأن هذه المنظومة غائبة، أو عاجزة يمثل تجاوزاً للحقيقة القانونية والمؤسسية القائمة.

ويأتي ذلك في وقت شهد فيه التشريع الكويتي تطورات جوهرية عززت حماية المرأة والمجتمع، من أبرزها إلغاء المادة 153 من قانون الجزاء، التي كانت تخفف العقوبة في جرائم ما يسمى بـ"قتل الشرف"، ليصبح هذا الفعل جريمة قتل عمد، تُطبق بشأنها العقوبات المقررة قانوناً دون استثناء.

كما أُلغيت المادة 182 التي كانت تعفي الخاطف من العقوبة في حال زواجه من المخطوفة، ليُحاسب الجاني وفق أحكام القانون حتى، وإن تم الزواج.

وهي تعديلات تشريعية تعكس التزام الدولة بمبدأ العدالة الجنائية وعدم التمييز، وتؤكد أن حماية الحقوق لا تخضع لأي اعتبارات اجتماعية أو عرفية.

بل إن التشريع الكويتي يذهب في كثير من مواده إلى منح المرأة حماية قانونية إضافية، واستثناءات واضحة، تصب في صالحها، بما يفوق ما يتمتع به الرجل في بعض المواضع، ضماناً لسلامتها وصوناً لحقوقها. ومن ثم فإن الإيحاء بأن المرأة في الكويت بلا حماية قانونية يتجاهل عمداً هذه المنظومة التشريعية والمؤسساتية المتكاملة.

وفي هذا السياق، يُلاحظ أن الخطاب المصاحب لبعض هذه المؤتمرات والندوات يتجه أحياناً إلى تضخيم الشعور بالمظلومية، وتقديم المرأة في صورة "الضحية المطلقة"، مقابل تصوير الرجل كطرف معتدٍ بطبيعته، دون اعتبار للتوازن الذي يفرضه القانون أو للواقع الفعلي لحالات النزاع.

هذا الخطاب لا يكتفي بتهميش دور المؤسسات القانونية، بل ينقل النقاش إلى مساحة تحريضية تُنتج حالة من العداء المجتمعي، وكأن العلاقة بين الرجل والمرأة قائمة على صراع دائم، لا على شراكة وتكامل داخل الأسرة والمجتمع.

كما يلفت الانتباه تكرار تنظيم هذه الفعاليات من جمعيات نفع عام تحمل مسميات متعددة، بينما يدور خطابها في فلك واحد، بما يخلق زخماً إعلامياً يوحي بأن الظاهرة أوسع وأخطر من حجمها الفعلي. ويزداد هذا التساؤل حين يتقاطع نشاط بعض هذه الجمعيات مع مصالح مهنية لعدد من المحاميات المتخصصات في قضايا الأحوال الشخصية، بما يفتح باب التساؤل المشروع حول حدود الفصل بين العمل العام والعمل المهني، ومدى تحول بعض هذه القضايا إلى مدخل لصراعات أسرية ممتدة ودعاوى كيدية.

إن حماية المرأة وتمكينها هدف وطني وإنساني لا خلاف عليه، غير أن تحقيق هذا الهدف لا يستلزم بالضرورة إدانة الرجل أو تحويله إلى خصم دائم، ولا يتطلب صناعة خطاب تخويفي يقوم على تأجيج الصراع بين الجنسين، فالعدالة لا تتحقق بالتشويه ولا بالتحريض، وإنما عبر خطاب متوازن يعزز الثقة بالقانون، ويكرس فكرة أن الدولة تحمي جميع أفراد المجتمع دون تمييز.

إن الإفراط في استخدام ما يُعرف بـ"القوة الناعمة" عبر المؤتمرات والحملات الإعلامية، ذات الطابع التحريضي، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، من بينها تشويه صورة الرجل، وتهميش دوره الأسري، وفتح المجال أمام نزاعات قضائية لا تخدم استقرار الأسرة ولا تحقق المصلحة العامة.

فالمرأة ليست ضحية على الدوام، كما أن الرجل ليس جانياً بطبيعته، والقانون وُجد ليُحاسب المخطئ أياً كان جنسه.

خلاصة القول، إن المطلوب اليوم هو خطاب حقوقي عقلاني ومتزن، يعترف بوجود المشكلات دون تهويل، ويعالجها ضمن إطار القانون والمؤسسات، بعيداً عن المبالغة وتقمص دور الضحية لتحقيق مكاسب مادية أو دعائية. فالقوانين موجودة، والمؤسسات قائمة، وما نحتاجه هو موضوعية حقيقية تحفظ كرامة الجميع، رجالا ونساءً، دون استقطاب أو تحريض.

كاتب كويتي

آخر الأخبار