أستاذي الدكتور عبده بدوي، رحمه الله، في كلية الآداب جامعة عين شمس في القاهرة؛ أخبرنا نحن طلابه (1971 - 1975) أن رجال البحث والتحري (المخابرات) في اسرائيل استفادوا من نفسية أبطال الروايات (القصص) العربية المصرية في حروبهم مع العرب والمصريين!
وقال: معظم القصص والروايات العربية المصرية المنشورة والشهيرة، تبيّن بأن بطل القصة (الرواية) ينهزم وينكسر، وينضبع ويستسلم ويرتبك، أو يفقد رباطة جأشه واتزانه غالبا؛ إذا تعرّض لضربة أولية مفاجئة؛ فيفكر بعدها مباشرة؛ كيف يهرب بجلده أو يحمي نفسه؛ لا كيف يسترد توازنه بسرعة، كما يفعل البطل الحقيقي، ويرد الضربة بضربة أقوى أو مثلها، أو يقف فورا؛ ليقاتل؛ كما يفعل القوي الصامد الشجاع؛ لرد عدوان عدوه الذي باغته بالضربة الأولى وأصابه فجأة، وعلى حين غرّة!
فكانت ضربة اسرائيل الجوية المفاجئة والمباغتة لمطارات مصر العربية العسكرية كلها، بقيادة قائد سلاح الجو الإسرائيلي إسحاق رابين، في الساعات الأولى من فجر الخامس من يونيو 1967 والتي تشتت من جرائها أي بعدها مباشرة، الجيش المصري، وتاه في صحراء شبه جزيرة سيناء، وانهزم شر هزيمة؛ فضاعت شبه جزيرة سيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية، والضفة الغربية وقطاع غزة (ما تبقى من فلسطين) في ستة أيام، والصحيح في ست ساعات.
وحتى الآن. إذن؛ العدو يقرأ تاريخنا وحاضرنا، حتى روايتنا المكتوبة الشهيرة، يقرأها ويترجمها، ويدرسها ويحللها؛ ليستخلص الدروس والعبر منها!
فهل نقرأ نحن تاريخ عدونا، ورواياته، كما يكتبها أدباؤه، بل هل نحن نقرأ روايتنا العربية الشهيرة وأولاها روايات أديبنا العربي الفائز بجائزة نوبل؛ نجيب محفوظ؟
أشك في هذا.
فنحن أمة لا تقرأ وإنْ قرأ البعض منا؛ فلا نستخلص العبر، ونستنتج الفِكر الرئيسة والفرعية مما نقرأ.
كلّ منا لا يريد أن يتعب نفسه أو عقله، بالقراءة المفيدة والممتعة معا، حتى لو كانت روايات عالمية، ومذكرات الشخصيات البارزين الخالدين، على مرّ التاريخ الجديد.
ببساطة؛ وفي أحسن الظنون: كل منا؛ إلا ما ندر، مشغول بنفسه أويلهث وراء لقمة عيشه الصعبة المرّة، وهموم أولاده، بل وأحفاده التي لا تنتهي، إنْ كان من الرعية!
ولا وقت لدينا للقراءة وزيارة المكتبات، ولا حتى معارض الكتب.
سُئل وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه ديان؛ بعد حرب 1967 عام النكسة للعرب والفلسطينيين: ما سرّ انتصاراتكم المتتالية على العرب؟
فرد: لأن العرب لا يقرأون، ولايعتبرون أو يتعظون مما يحدث لهم من نكبات ونكسات وهزائم، سواء شخصية أو عامة.
وهذا صحيح: فالعربي ينسب كل ما حدث له، ولغيره من بني جلدته، ويحدث للقضاء والقدر، ولا يسأل نفسه: ما نسبة الخطأ في ما حدث لي أو لوطني وشعبي؟
ما في فايدة منا، نحن جيل الهزائم. علينا بأولادنا وأحفادنا، أن نعوّد طلابنا وطالباتنا على قراءة الروايات العربية والعالمية؛ المشهورة أو الشهيرة في كل فصل دراسي، في الثانوية والجامعة والمعاهد العليا.
علينا أن نقرّر على طلبة مدارسنا في جميع مراحلها الدراسية؛ وجامعاتنا ومعاهدنا العليا، روايتين او قصتين؛ واحدة عربية والثانية عالمية (مترجمة) لنغرس الأمل والرجاء، وروح البطولة، والشجاعة، أو لنعقد الأمل والرجاء وروح البطولة والشجاعة والفداء، والصمود والمواجهة والتحمّل والثبات، في نفسية النشء العربي؛ أملا بتكوين مجتمع عربي واعٍ مستنير النشء؛ يقدر على تحويل هزائمنا العربية المتتالية إلى انتصارات عربية متكررة.
صحافي فلسطيني