حديث الافق
لنعرف قيمة ما نملك قبل معرفة مصير ما نترك
شوبنهاور: الغنى هو أن تستغني عما هو زائد
المهم أن تصل... لا أن تنفجر عداداتك فخراً
القضية ليست من يملك... بل من ينتفع به
القضية ليست من يملك... بل من ينتفع به
الحياة لم تُصنع ليكون يومنا مسرحاً للعرض
ثمة نتيجة طلع بها أحد الحكماء، وهي: أن المال الذي نتركه وراءنا لا يختلف كثيراً عن الماء الراكد، الذي لا يشربه أحد، فذلك يبقى في البنوك مجرد أرقام باردة، بينما العمر الذي نحرقه في جمعه يتبخر مثل بخار فوق قدر سلق الذرة.
هذه الحكمة تذكرتها عندما قرأت أن رجل أعمال صيني مات وترك خلفه ملياراً وتسعمائة مليون دولار أميركي، وبعد أيام تزوجت أرملته سائقه، حينها قال السائق جملة تساوي كل فلسفة الاقتصاد: "كنت أظنني أعمل عند سيدي، واكتشفت بعد موته أن سيدي كان يعمل عندي".
هذه الجملة ليست نكتة، بل صيحة يقظة، فالقضية ليست من يملك، بل من ينتفع... ليس من يجمع، بل من يعيش في النهاية، فالمال الذي لا يلامس يد صاحبه هو ملك لآخر، حتى ولو حمل اسمك في دفاتر البنوك، ودائرة الأراضي.
في كتاب "الحكمة المتأخرة" للفيلسوف الألماني أرتور شوبنهاور كتب إحدى أهم الحكم، هي "ليس الغنى أن تملك ما هو كثير، بل أن تستغني عما هو زائد".
ونحن اليوم نعيش في عالم بات قائما على تقديس الزائد، لا الضروري... عصر "السبعين في المئة" الفائضة التي لا ننتفع بها، ولا نعرف لماذا جمعناها.
انظر إلى هاتفك الذكي، 70 في المئة من خصائصه لا نستخدمها، أقوى الكاميرات، وأوسع الذاكرات، وأقرب المزايا، كلها مجرد ترف رقمي لا يصنع حياة.
وانظر إلى السيارة الفارهة: 70 في المئة من سرعتها لا نحتاجها، فالمهم أن تصل، لا أن تنفجر عداداتك فخراً وأنت تجلس في زحمة الطريق.
وانظر إلى خزانتك: 70 في المئة من الملابس معلقة تنتظر مناسبة لا تأتي، لأن الحياة لم تُصنع ليكون يومنا مسرحاً للعرض.
وانظر إلى البيوت والقصور التي لا تدخلها الشمس، إلا في غرفة واحدة، وزاوية واحدة تفضّل الجلوس فيها، وناحية واحدة فوق الأريكة نتسابق للجلوس عليها.
غرف فارغة تُشبه حياتنا التي امتلأت بكل شيء، إلا بما نحتاج. المال الذي نعمل العمر كله من أجل جمعه، سيذهب في النهاية إلى غيرنا، سيرثه ابن لم يعرف كم بكينا من أجل لقمة، وكم سهرنا من أجل بحث بقيمته دفعنا فواتير تبريد غرفته في الصيف، أو تدفئتها في الشتاء، أو ربما ترثه زوجة ستنفقه مع من لم تبصر له وجهاً في حياتنا، أو دولة ستسحب عليه ضرائب بعد موتنا، ونحن ننام في حفرة لا تسع حتى هاتفنا القديم.
ولهذا يجب أن نحمي الثلاثين في المئة التي تبقى لنا، لأنها هي الحياة الحقيقية، هي العمر الذي لم نره، هي الصحة التي أهملناها، هي الجسد الذي تآكل بينما ننفخ حساباتنا البنكية.
احرص على جسدك، حتى لو ظننت أنك بخير، فالمرض لا يستأذن، والقوة تختفي مثل ضوء الغروب.
اشرب الماء، حتى وإن لم يصرخ جسدك عطشا، فالعطش الصامت يقتل أكثر مما نتوقع.
تجاوز حتى لو كنت على حق، فالقلب الذي يحمل كل المعارك أرض بور، لذا تنازل، حتى وإن غلبك المنطق، فالصلابة المفرطة تكسر صاحبها.
ابق متواضعا، حتى وإن كنت قويا وغنيا، ومشهوراً، فالكبر يجعل الإنسان فقيراً مهما امتلك.
تدرّب على أن يكون ذهنك يقظا، وجسدك مرنا، فالكسل بداية الشيخوخة، حتى لو كنت في العشرين.
امنح وقتك لمن تحب، حتى وإن كنت مشغولاً، فالذين نحبهم هم الجزء الذي لن يرثه أحد بعد موتنا.
واجعل لآخرتك نصيباً مما تجمع، فالمال، الذي يصل قبل أن تصل، هو الوحيد الذي يبقى معك في النهاية... هو الادخار الحقيقي، أما الباقي، فهو مجرد عرض زائل، كبالون يرتفع قليلا ثم ينفجر.
الحكمة ليست أن نعيش طويلا، بل أن نعيش كما يجب، وأن نعرف قيمة ما نملك قبل أن نعرف مصير ما نترك.
نكشات
المستثمر الأجنبي قبل أن يأتي إلى أي بلد في العالم، يشوف ماذا قدمت الدولة للمستثمر الوطني أو المحلي، هل فيه قسوة في التعامل أو لين، وهنا يقرر إذا كان سيستثمر في البلد، أو يعود إلى بلده، أو يذهب إلى بلدان أخرى أكثر مرونة، وتدليع للمستثمر المحلي أو الأجنبي.
* * * *
في بلدنا أشياء كثيرة تحتاج من الدولة أن ترعاها، هناك رواتب لازم رفعها، وأمور تجارية يجب أن تبتعد عنها الدولة، وتعطي محفزات تشجيعاً للمستثمرين، حتى يفلح فيها أصحابها.
* * * *
القصة هنا أن الموت يغيّب كل شيء في حياتنا، حتى اسمك لا يعاد يذكر، يدفنونك باسم الميت، أو جثة الميت، ولا يذكر اسمك.