الجمعة 26 ديسمبر 2025
15°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخطر من تنظيم 'الإخوان' إسكات الناس
play icon
كل الآراء

الأخطر من تنظيم "الإخوان" إسكات الناس

Time
الخميس 25 ديسمبر 2025
عبدالعزيز محمد العنجري

كتب محمد البغلي مقالة لافتة بعنوان "اسكت يا إخوانجي" في جريدة "الجريدة" تناول فيها ظاهرة اختزال أي رأي نقدي، أو تساؤل مشروع في تهمة جاهزة، مفادها أن صاحب هذا الرأي "إخوانجي"، بغض النظر عن مضمون ما يطرحه، أو خلفيته الفكرية أو السياسية.

هذا الطرح تحديداً هو ما دفعني إلى الكتابة تأييداً لمضمون المقالة، ومن باب الدفاع عن حق السؤال ذاته، والتنبيه إلى خطورة تحويل الاتهام إلى بديل عن الحوار.

نمط اختزال النقد في جملة واحدة ليس جديداً، وهو معروف في علم السياسة حين لا تُناقَش الفكرة بذاتها، بل يُجرَّم صاحبها، ويُشكك في نواياه. وقد تفنن مناصرو إسرائيل على مدار سنوات في هذا المجال، إذ لا يُجاب السائل عن سؤاله، بل تُدان نيته، ويُحوَّل أي نقد، أو مساءلة إلى تهمة معاداة السامية، بما يُغلق باب النقاش قبل أن يُفتح.

والغرب نفسه ليس بمنأى عن هذه الظاهرة المَرَضية.

ففي الولايات المتحدة شهدت خمسينيات القرن الماضي حقبة عُرفت بـ"المكارثية"، حيث جرى تخوين المثقفين والفنانين، والسياسيين لمجرد طرح أسئلة، أو آراء مختلفة، واتُّهم كثيرون بالانتماء إلى الشيوعية دون أدلة، فقط لأنهم خالفوا المزاج السائد.

وقد اعترف الغرب لاحقاً أن تلك المرحلة كانت خطأً أخلاقياً وسياسياً، لأنها قوّضت حرية التعبير، وأضعفت الثقة بالمؤسسات، ولم تحمِ الدولة كما كان يُروَّج.

والأمر لا يقتصر على السياسة الدولية. اجتماعياً نمارسه نحن أيضاً أحياناً بسذاجة. قد يُطرح سؤال مباشر على وزير، أو مسؤول في ديوانية، فيأتي الاعتراض لا على مضمون السؤال، بل على جرأة طرحه. ويُقال لماذا تسيء للشيخ، مع أن ما قيل لم يكن إساءة، بل سؤال واضح لا أكثر.

بالعودة إلى ما كتبه محمد البغلي، فإن هذا الاتساع غير المنطقي في اتهام السائل، والمشكك، والناقد أنه "إخوانجي"، لا يعكس خطر جماعة بقدر ما يعكس خوفاً من أي رأي مستقل.

هو محاولة استباقية لإخافة كل من يفكر في السؤال، ورسالة غير معلنة، مفادها أن الصمت أكثر أماناً من الكلام.

ومن المهم هنا التمييز بين موقف مجلس الوزراء الرسمي، وبين الخطاب الذي يُمارَس باسمه في المجال العام. فمجلس الوزراء لم يصدر بياناً رسمياً يتهم فيه كل ناقد، أو سائل بالانتماء إلى جماعة بعينها، لكن في المقابل يتعزز هذا الأثر حين يُقدم عدد محدود من الوزراء، أو المسؤولين، في مناسبات مختلفة على توجيه اتهامات، صريحة أو ضمنية، لجماعات بعينها، فيتحول الخطاب غير الرسمي إلى امتداد عملي للغة عامة غير منضبطة. هنا تتحول "الإخوانجية" من توصيف سياسي، إلى لافتة تخويف لضبط المجال العام لا تنظيمه.

الهدف الحقيقي من هذا النهج تجفيف المجال الإصلاحي، وجعل النقد مكلفاً اجتماعياً، وربط أي اعتراض بالخيانة أو التطرف، وخلق بيئة عامة صامتة تخشى الكلام، حتى لو كان مشروعاً.

وهذا أخطر من أي تنظيم، لأنه يفرغ المجال العام من العقلانية، ويحوّل الولاء من مفهوم وطني قائم على الحرص، والمساءلة إلى طاعة عمياء لا تسأل ولا تناقش. كأن المطلوب من المواطن أن يحمل طبلة يقرعها كلما مر أمامه مسؤول.

من هنا تبدو خلاصة ما أشار إليه محمد البغلي في محلها.

فالتهمة تُستخدم بلا معيار، وتُوجَّه لأطياف متناقضة، وتؤدي وظيفة واحدة فقط، إسكات الإصلاح لا محاربة فكر.

والأخطر أن استمرار هذا الأسلوب لا يحمي الدولة، بل يضعفها.

فالدول لا تُحصَّن بالصمت، ولا تُدار بالذباب الإلكتروني، بل بالنقد المنضبط، والعقل، والمؤسسات التي لا تخاف من السؤال.

Abdulaziz_anjri@

آخر الأخبار