وجهة نظر
تُعد القواعد القانونية الآمرة والمكملة من أهم التقسيمات التي يقوم عليها البناء القانوني، لما لها من دور مباشر في تنظيم سلوك الأفراد، وضبط علاقاتهم في المجتمع. فالقانون لا يهدف فقط إلى فرض النظام، بل يسعى أيضاً لتحقيق التوازن بين مصلحة الجماعة وحرية الفرد. ومن هنا ظهرت القواعد الآمرة، التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، وتلك المكملة التي تُترك فيها مساحة لإرادة الأفراد لتنظيم شؤونهم الخاصة. ويُعد هذا التقسيم أساساً لفهم طبيعة الإلزام القانوني وحدوده.
القواعد القانونية الآمرة هي تلك التي تتعلق بالنظام العام والآداب العامة، وتهدف إلى حماية المصالح الجوهرية في المجتمع.
ولذلك لا يجوز للأفراد الاتفاق على ما يخالفها، ويقع باطلاً كل تصرف يتم على خلافها.
ويظهر هذا النوع من القواعد بوضوح في مجالات الأحوال الشخصية، والقانون الجنائي، وبعض قواعد القانون العام، حيث تتقدم مصلحة المجتمع على إرادة الأفراد. ويؤكد هذا الطابع الآمر دور الدولة في فرض الانضباط وحماية القيم الأساسية التي يقوم عليها المجتمع.
أما القواعد القانونية المكملة، فهي تلك القواعد التي يضعها المشرّع لتنظيم العلاقات القانونية في حال سكوت الأطراف عن الاتفاق، وتُعد بمثابة حلول احتياطية تسد الفراغ عند غياب إرادة صريحة. ويجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها، إذ لا تمس النظام العام، ولا الآداب العامة، بل تعزز مبدأ سلطان الإرادة.
وتنتشر هذه القواعد خصوصا في مجال المعاملات المدنية والتجارية، حيث يُفسح المجال للأفراد لتكييف علاقاتهم بما يتناسب مع مصالحهم وظروفهم.
إن التمييز بين القواعد الآمرة والمكملة يعكس فلسفة القانون في الجمع بين الإلزام والمرونة، فالقواعد الآمرة تحمي المجتمع من الفوضى والانحراف، بينما تمنح القواعد المكملة الأفراد حرية التعاقد وتنظيم شؤونهم الخاصة.
وبهذا التوازن، يحقق التنظيم القانوني غايته في ضبط السلوك الإنساني دون مصادرة الإرادة الفردية، مما يجعل القانون أداة لتحقيق العدالة والاستقرار في آن واحد.
سند اسامة سند الدخان
كلية الدراسات التجارية - تخصص قانون