وجهة نظر
تُعدّ العدالة ركيزة أساسية في أي نظام قانوني، وهي المبدأ الذي تسعى جميع التشريعات إلى تحقيقه دون تمييز بين الأفراد. ومن بين القضايا التي أثارت جدلاً واسعاً في هذا السياق مسألة الرسوم القضائية، أي المبالغ المالية التي يُلزم المتقاضي بدفعها عند رفع دعوى أمام القضاء.
فبين من يرى فيها وسيلة لتنظيم العمل القضائي ومن يعتبرها عائقاً أمام حق التقاضي، يبقى السؤال مطروحاً: هل تحقق الرسوم القضائية العدالة فعلاً؟
من الناحية النظرية، تهدف الرسوم القضائية إلى تخفيف العبء عن ميزانية الدولة وضمان جدية الدعاوى، بحيث لا تُرفع القضايا بشكل عبثي أو كيدي. كما تُستخدم في تمويل المرافق القضائية وتطوير الخدمات العدلية.
وبهذا المعنى، يمكن القول إن فرض رسوم معتدلة يحقق نوعاً من العدالة التنظيمية، لأنه يوازن بين حق الفرد في التقاضي ومصلحة الدولة في ترشيد استخدام مواردها.
إلا أن الواقع العملي يكشف جانباً آخر لا يمكن تجاهله. فالكثير من المواطنين، وبخاصة من ذوي الدخل المحدود، قد يعجزون عن دفع الرسوم القضائية المرتفعة، مما يؤدي إلى حرمانهم من اللجوء إلى القضاء للدفاع عن حقوقهم. وهنا تتحول الرسوم من أداة تنظيم إلى عائق أمام العدالة، وتُصبح العدالة متاحة للأغنياء أكثر من غيرهم. وهذا يتعارض مع مبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في الدساتير والقوانين الدولية لحقوق الإنسان. ولتحقيق التوازن، يرى بعض المختصين ضرورة تخفيض الرسوم، أو إعفاء غير القادرين منها، عبر إنشاء صندوق خاص لدعم التقاضي، أو من خلال نظام المساعدة القضائية الذي تتكفل فيه الدولة بالرسوم عن الفئات الضعيفة. فبهذه الطريقة يمكن الجمع بين متطلبات التمويل، وحماية حق التقاضي للجميع.
في الختام، يمكن القول إن الرسوم القضائية لا تحقق العدالة المطلقة ما لم تُراعَ فيها الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمتقاضين.
فالعدالة ليست في نص القانون فقط، بل في قدرة الجميع على الوصول إلى القضاء دون تمييز. والأنظمة القضائية العادلة هي التي تضمن أن يكون باب العدالة مفتوحاً للجميع، لا لمن يملك القدرة على دفع ثمنه.
خالد محمد الشطي
كلية الدراسات التجارية - تخصص قانون