الجمعة 26 ديسمبر 2025
14°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
آراء طلابية

قانون التحكيم الكويتي قراءة نقدية من منظور قانوني

Time
الخميس 25 ديسمبر 2025
منيره ضاحي السعيدي
وجهة نظر

يُنظر إلى التحكيم اليوم بوصفه إحدى أهم وسائل العدالة البديلة، لما يوفره من سرعة في الفصل ومرونة في الإجراءات، واحترام لإرادة أطراف النزاع.

وقد نظم المشرّع الكويتي التحكيم القضائي في المواد المدنية والتجارية بموجب القانون رقم 11 لسنة 1995، في خطوة هدفت إلى مواكبة التطورات القانونية الحديثة. إلا أن القراءة المتأنية لبعض نصوص هذا القانون تكشف عن إشكاليات تشريعية تستحق التوقف عندها، خصوصا في ما يتعلق بمدى انسجامه مع الفلسفة الحقيقية للتحكيم.

نصّت المادة الأولى من قانون التحكيم على تشكيل هيئة التحكيم من رجال القضاء إلى جانب محكمين يختارهم الخصوم. ورغم ما قد يُفهم من هذا التنظيم من حرص على تحقيق الضمانات القانونية، إلا أنه يُؤخذ عليه أنه يطغى عليه الطابع القضائي، ويحدّ من استقلال التحكيم بوصفه قضاءً خاصاً يقوم أساساً على ثقة الأطراف في من يختارونهم للفصل في نزاعاتهم. فالتوسع في إشراك القضاء داخل بنية التحكيم قد يؤدي إلى تلاشي الفارق الجوهري بينه وبين التقاضي التقليدي.

كما يلاحظ من نصوص القانون اتساع دور إدارة التحكيم ومحكمة الاستئناف في تعيين المحكمين، وتنظيم إجراءات التحكيم، وهو ما يُقيد مبدأ سلطان الإرادة، الذي يُعد حجر الأساس في نظام التحكيم. فالأصل أن تُترك للأطراف حرية إدارة خصومتهم التحكيمية، ما دام ذلك لا يمس النظام العام، وهو ما لم يتحقق على النحو المأمول في بعض نصوص القانون الحالي.

وتزداد حدة الانتقاد عند النظر إلى ما تم فرصه من إجراءات ومواعيد، وإيداعات مالية، شكلت أعباء إضافية وعائقاً عملياً أمام اللجوء إلى التحكيم، وبخاصة في المنازعات التي يُفترض أن يتم حلها بسرعة ومرونة.

فكلما تعقدت الإجراءات، فقد التحكيم ميزته الأساسية، وأصبح أقل جاذبية من القضاء العادي الذي يُفترض أن يكون بديلا عنه لا نسخة أخرى منه.

وعند مقارنة قانون التحكيم الكويتي ببعض التشريعات الحديثة المستوحاة من قانون الأونسيترال النموذجي، يتضح أن هذه التشريعات اتجهت إلى تقليص التدخل القضائي، ومنح الأطراف حرية أوسع، بما يعزز من فاعلية التحكيم ويزيد من الثقة به، خصوصاً في المنازعات التجارية والاستثمارية.

ورغم انضمام دولة الكويت إلى اتفاقية نيويورك، فإن التنظيم الداخلي للتحكيم لا يزال بحاجة إلى تطوير تشريعي، يعكس هذا الالتزام الدولي بصورة أوضح.

واود أن اختم مقالتي هذه من منطلق دراستي للقانون، أرى أن قانون التحكيم الكويتي، رغم أهميته ودوره في تنظيم هذا المجال، يحتاج إلى إعادة نظر تشريعية تُعيد للتحكيم جوهره كوسيلة مستقلة ومرنة لحل المنازعات.

فمواكبة التطورات القانونية الدولية لم تعد خياراً، بل ضرورة تشريعية تفرضها متطلبات العدالة الحديثة وثقة المتعاملين في النظام القانوني.

ويبقى الأمل معقوداً على تطوير النصوص بما يحقق التوازن بين الضمانات القانونية وحرية الأطراف، ويعزز من مكانة التحكيم في دولة الكويت.

منيره ضاحي السعيدي

كلية الدراسات تجارية - تخصص قانون

آخر الأخبار