في السنوات الأخيرة، تغيّر العالم بسرعة غير مسبوقة مع تطور التكنولوجيا، وتسارع التحول الرقمي، بدأ الذكاء الاصطناعي يفرض نفسه في مختلف المجالات.
واليوم، يقف هذا الضيف الجديد على أبواب العدالة، يطرق باب المحاكم، ويطرح سؤالا جريئاً: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصبح قاضياً؟
القانون أمام تحدٍّ غير مألوف، فالقضاء بطبيعته يعتمد على العقل البشري، والخبرة، وعلى الإحساس الإنساني الذي يوازن بين الوقائع ويقدّر الظروف، لكن الذكاء الاصطناعي يقدّم شيئاً مختلفاً تماماً: الدقّة، السرعة، والحياد الحسابي.
في الكويت، ومع تطور التكنولوجيا والتحول الرقمي في الجهات الحكومية، أصبح من الضروري التفكير في كيفية تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في الإجراءات القضائية.
فالقانون الكويتي، رغم قوته، لم يواجه بعد هذا النوع من التحدّي بشكل مباشر، مما يجعل الباب مفتوحاً أمام تشريعات جديدة تُنظّم العلاقة بين الإنسان والآلة داخل منظومة العدالة.
أدلة لا تخطئ… أم خوارزميات قد تخطئ؟
الذكاء الاصطناعي قادر اليوم على:
• تحليل تسجيلات كاميرات المراقبة.
• مقارنة الأصوات والبصمات.
• كشف التلاعب بالصور والوثائق.
لكن يبقى السؤال المهم: هل هذه الأدوات عادلة تماماً؟
الخوارزميات قد تتأثر بالبيانات التي تتغذّى عليها، فإن كانت منحازة، خرجت نتائجها منحازة.
وهنا يأتي دور المشرّع الكويتي ليضع ضوابط صارمة تضمن أن تكون العدالة الحقيقية بيد الإنسان، لا بيد برنامج لا يملك مشاعر أو ضميراً.
بين العدالة البشرية والعدالة الرقمية، فالقاضي البشري يملك ما لا يملكه الذكاء الاصطناعي: كالقدرة على فهم الظروف الإنسانية، وتقدير الدوافع، والشعور بالعدالة بمفهومها الواسع.
أما الذكاء الاصطناعي فيملك ما لا يملكه القاضي: سرعة الوصول إلى آلاف السوابق في ثوانٍ، وتحليل مئات الصفحات في دقائق.
ومن هنا، تظهر فرصة ذهبية للكويت: الدمج المتوازن بين خبرة الإنسان وذكاء الآلة، بحيث يصبح الذكاء الاصطناعي مساعداً للقاضي… لا بديلاً عنه.
تشريعات تحمي العدالة من الخطرالمقبل، وحتى لا يكون دخول الذكاء الاصطناعي إلى العدالة تهديدا، لا بد من:
1- وضع قانون ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي في الأدلة والتحقيق.
2- تشكيل لجنة قضائية–تقنية لمراجعة أي خوارزمية تستخدم داخل المحاكم.
3- ضمان حق المتهم في الاعتراض على نتائج الأدوات الذكية.
الكويت، بمكانتها القانونية والقضائية، قادرة على أن تكون رائدة في هذا المجال إذا بادرت إلى سن تشريع يحفظ التوازن بين التطور والعدالة.
قاضٍ لا ينام، لكن بلا قلب، ففي عصر لم يعد العقل البشري وحده كافياً لفك خيوط الجريمة برز الذكاء الاصطناعي كمحقق رقمي لا ينام يقارن البيانات، ويتعقب الهواتف، ويعيد رسم الجريمة بدقة تفوق دقة البشر، فالذكاء الاصطناعي يستطيع أن يعمل دون
توقف، دون خطأ ناتج عن التعب، ودون تحيّز شخصي، لكنه في النهاية آلة، لا تشعر ولا تستوعب الألم أو الظروف أو الأعذار الإنسانية فالاستخدام غير المنظم والخالي من الرقابة القانونية يشكل خطراً على سلامة الاجراءات القضائية.
لذلك تبقى الكلمة الأخيرة في العدالة للقاضي البشري، ويكون الذكاء الاصطناعي مجرد أداة قوية تُسرّع الوصول الى الحقيقة وتساهم في مساعدة القاضي للوصول إلى خيوط الجريمة، لكن مهما بلغ من تطور فلن يكون بديلاً عنها.
ليسانس كلية الحقوق جامعة الكويت