يبلغ عدد سكان الكويت خمسة ملايين نسمة، بينهم نحو 1.4 مليون مواطن كويتي، فيما البقية وافدون، وبينهم طبعاً "البدون"، بين كل هؤلاء ثمة نسبة لا بأس بها من الأسر المقيمة، وهي بشكل أو بآخر تعتبر قوة شرائية، ما يعني أن أي خلل في هذه التركيبة يؤثر في الاقتصاد المحلي.
لهذا، حين ترفع الحكومة الرسوم عليهم، فهي تضغط على الأسر إلى النزوح من الكويت، وكذلك فإن المهني ومن لديه حرفة، وكذلك الموظف المعيل لأسرة، سيضطر إلى أمرين، إما ترحيل عائلته، والسكن مع "عزاب"، أو الانتقال إلى الدول المجاورة التي تفتح أبوابها لأصحاب المهارات، وتمنحهم حوافز كثيرة.
في كلا الأمرين، تفقد الكويت عاملاً مهماً، وهو التوازن الاجتماعي الذي تشكله الأسر المقيمة، والقوة الشرائية المحركة للأسواق، بينما يتحول المجتمع إلى "عزاب"، ما يعد عاملاً سلبياً في المجتمعات، فالدول التي تسعى إلى تأمين الحدود المعقولة للاستقرار الاجتماعي، وزيادة القوة الشرائية في الوقت نفسه، تزيد من تحفيز الناس على الإنفاق الاستهلاكي.
أضف إلى ذلك، أن الشركات والمؤسسات التي لديها عمالة مقيمة ستضطر إلى رفع الأسعار والخدمات التي تؤمنها، كي تسد التكاليف الجديدة عليها، ما يعني زيادة معدل التضخم، وهذا يؤدي إلى انكماش اقتصادي، بينما جميع الخبراء يؤكدون أن هذه المتوالية معروفة النتائج السلبية على الجميع.
لذا، حين ترفع الحكومة رسوم الضمان الصحي على المقيمين، فهذا يؤدي تلقائياً إلى العوامل التي ذكرناها، فيما الاقتصاد الوطني يحتاج إلى المزيد من جرعات الإنعاش، لا سيما في هذه المرحلة التي تشتد فيها المنافسة إقليمياً على جذب المزيد من رؤوس الأموال والمستثمرين، وبناء مشاريع جديدة.
لذا، ثمة العديد من الأسئلة التي تحضر في بال المراقب، ومنها: هل لدى الكويت القوة البشرية المواطنة التي تسد العجز في المهن والحرف، بل في كافة الأعمال التي يعمل بها وافدون، وهل بات عندنا من يعمل في البناء، والخدمات، وكذلك الفنيون الذين يستطيعون ملء الفراغ الذي سيتركه غير الكويتيين الذين قد يتركون البلاد إلى دول مجاورة، وهل ذلك يخدم رؤية "الكويت 2035"، وتحولها إلى مركز مالي وتجاري عالمي؟
وهل الاستعانة بالمتقاعدين البالغ عددهم نحو 200 ألف، وغالبيتهم يعيشون خارج الكويت تخدم الحركة التجارية، وتسد العجز، بينما كل خريجي الجامعات الكويتيين، إما يتجهون إلى العمل في القطاع العام، وإما إلى الأعمال المكتبية، ومهما بلغ عددهم هل يسدون العجز في الأيدي العاملة؟
وهل يخدم تحول المجتمع إلى غالبية من "العزاب" الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وأضف إلى ذلك، هل خدمت القرارات الأخيرة الصادرة عن بعض الوزارات وشكلت عاملاً سلبياً، الاقتصاد، ألم تزد الضغط على الشركات والمؤسسات، أكان ذلك في مسألة التراخيص أو العقوبات إذا تأخرت في سداد بعض الالتزامات، وإيجار حق الانتفاع، ما يعرقل مشاريعها، ويزيد من أزماتها؟
لهذا، فإن أي قرار يتخذ إذا لم يخضع للدراسة الوافية، فهو يؤدي إلى المزيد من تعقيد الأزمة، لا سيما أن التداعيات ليست موقتة، إنما تأثيرها يستمر إلى أمد طويل، ولنا عبرة حين رفعت الحكومة في العام 2016 أسعار البنزين والديزل، وحينها تلقائياً جرى رفع الأسعار، وكذلك الأيدي العاملة.
بينما في المقابل، فقد عملت الدول المجاورة المشابهة للكويت، على تأمين أقصى درجات الراحة للمقيمين فيها، ومنحتهم الكثير من المميزات، أضف إلى ذلك أنها فتحت أبوابها للجميع، أكانوا من العمال، أو للسياحة، وحرّكت العجلة الاقتصادية، وكذلك خفضت الرسوم على الجميع، بل وجمدت بعضها، كما أنها أطلقت العديد من المشاريع الترفيهية، التي أدت إلى عامل جذب للسياح، ولنا في الإجازات الموسمية، مثال، كيف أن الآلاف من الكويتيين والمقيمين يسافرون إلى البلدان المجاورة، كي يفرحوا، بينما لدينا يقابل الجميع بالعبوس.
ورغم أن الكويت معروفة عند الخليجيين أنها عاصمة مطاعم، إلا أن رفع الرسوم حالياً سيؤثر في ذلك، وهذا يضاف إلى العوامل السلبية، بينما تبقى مشاريع الترفيه، غير موجودة، وهي يمكنها أن تؤمن للمواطنين، وحتى المقيمين، الحد الأدنى مما تؤمنه الدول المجاورة.
لذا، فإن المقاربة في الشأن الاقتصادي تبدو ارتجالية، وليست مدروسة، وهي تزيد من العوامل السلبية، وهذا لا يمكنه خدمة الاقتصاد الوطني الذي هو بحاجة إلى المزيد من المحفزات، كما تفعل دول العالم كافة.
أخيراً، يا سمو رئيس مجلس الوزراء، حفزوا النشاط الاقتصادي والصناعي والزراعي، فالرسوم على هذه النشاطات ليست ثروة، لذا نشطوا تشجيع هذه الفعاليات، وبعدها افرضوا ضرائب عادلة، أفضل من ملاحقة الناس والفعاليات في أرزاقها، وهو ما سيُحد من نشاطها.