كتب الزميل حسن العيسى في جريدة "الجريدة" مقالة بعنوان "التكرار لا يعلّم الشطار"، وضع فيه الإصبع على الجرح، فما ورد فيها كان عين الصواب، بالنسبة إلى الوضع الاقتصادي المحلي، وكان بذلك يحلل بعض ما ورد في تقارير "الشال".
لذا، نقول إلى الزميل: ليست هذه المرة الأولى التي تصرخ فيها شريحة لا بأس بها، محذرة من مغبة عدم الأخذ بما يقوله المراقبون، فمنذ سنوات ونحن نسلط الضوء على مكامن الخلل، التي إذا عولجت في الوقت المناسب لوفرت الكثير على البلاد، وأيضاً حتى لو جاء العلاج متأخراً بعض الشيء، أفضل بكثير من ترك المريض الاقتصادي يستشري فيه الداء.
نقول للزميل العيسى، إن "كلامك على متمّه"، وكي نوضح الأمور أكثر، لنأخذ على سبيل المثال المزارع، والإنتاج الزراعي، والسعي إلى الاكتفاء الغذائي، وهو لا شك ركن مهم في كل الدول، وليس للكويت فقط، كذلك ما ينطبق عليه ينطبق على الصناعة والخدمات.
حين وزعت الدولة الحيازات الزراعية على المواطنين، كان الهدف تشكيل قوة غذائية ذاتية، أو بالحد الأدنى الحصول على مورد محلي، يساعد في المدى الطويل على فك الارتباط الغذائي مع الخارج، أسوة بكل الدول التي لديها مساحات يمكنها استغلالها بشكل صحيح، وتخدم الاقتصاد الوطني، ولاحقاً تبني قاعدة صناعية غذائية.
تلك الحيازات كانت أرضاً بوراً، مجرد صحراء، فعمل أصحابها على تشييد بعض المباني فيها، وزرعها وإعمارها، وجاؤوا بالعمال، وأنفقوا الكثير من الأموال فيها، وحين أصدرت الدولة قرارا بتنظيم المزارع السياحية، استبشروا خيراً، لكن ماذا حصل في السنين الأخيرة؟!
أوقفت الجهة المسؤولة الاستفادة من تلك المميزات، ما أثقل على المزارعين، فيما كان ذلك عاملاً مهماً لهم كي يواجهوا المصاعب الناتجة عن كلفة الكهرباء، والمياه، بينما تلك المعالجة تهدر في البحر، كذلك عدم وجود تنظيم يساعد المزارعين على بيع منتجاتهم في السوق المحلية، بما يخدم الأمن الغذائي، إلى حد أنهم يبيعون المنتج بسعر تكلفة صندوق الكرتون، رغم ذلك صمدوا، لكنهم كانوا يصرخون بأعلى الصوت.
صحيح بعد زيارة النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، إلى بعض المزارع، أصدر القرار بما يسمى "ركن المزارع" في الجمعيات التعاونية، لكن هذا لا يكفي، لأن ثمة الكثير من الأمور الناقصة التي من الواجب أن تعمل الجهات المسؤولة على تأمينها، كي تدور عجلة الإنتاج بالشكل الصحيح.
على صعيد المثال، منذ عقود تنشر وسائل الإعلام عن التكنولوجيا الزراعية، وغيرها، والتطورات في هذا المجال، ما يفسح في المجال لجعل الزراعة أكثر تطوراً، لكن هذا الأمر يحتاج إلى محفزات، خصوصاً في ما يتعلق بالتراخيص، إذ من المستحيل أن ينفق صاحب الحيازة، الزراعية أو الصناعية، الكثير من الأموال، بينما الترخيص محدد بسنة واحدة، وإذا كانت هناك أي مخالفة بسيطة يجري التضييق عليه إلى حد إغلاق المكان.
في السابق، كنا نصدِّر الفراولة والورود إلى العالم، لأنه كانت هناك هوامش أكبر من حرية الحركة، وكذلك المساعدة على التحفيز، بينما اليوم اختلف الأمر، وبدأت تظهر قرارات مزعجة، ورد كثير منها في تقارير "الشال" وغيرها، وكذلك كل مرة نتحدث عن بعضها، لكن لا أحد يسمع أو يرى.
نعم كما كتبت زميلي، إن "الأولوية يجب أن تكون لخفض معدلات نزوح الاستثمار المحلي المباشر.. الكويت هي الأكثر إدماناً على النفط، باقتصاد غير منتج وغير مستدام، ومالية عامة غير مستدامة، وميزان عمالة مواطنة غير مستدام"، لذا السؤال: هل يتعلم الشطار؟
زميلي العزيز حسن العيسى، حين لا يسمع المسؤول، ولا يقرأ ما يكتب، تكون النتيجة هذا الوضع، بينما في الدول الأخرى، ثمة متابعة لكل شيء، وتشجيع على الأخذ بما ينفع أصحاب المؤسسات المنتجة والمشاريع المربحة، وأصحاب حق الانتفاع من القسائم الخدماتية.
فهذا موجود في الدول المجاورة، التي وضعت الكثير من المحفزات للمستثمرين، من كل العالم كي يضعوا رؤوس أموالهم فيها، ونشطت القطاعات كافة، حتى أن بعضها حول المزارع إلى مناطق سياحية، ومع ذلك بدأت تصدر الإنتاج الزراعي إلى الدول المجاورة، لأنها عملت على الاستفادة من تجارب الآخرين، ولهذا فهناك المئات من أصحاب الملايين الذين يفدون إليها.
لكن ماذا صنعت الدولة كي تتعلم من الآخرين؟ لا شيء، فقط قرارات تزيد من العرقلة.