لا يبدو أن الاقتصاد العالمي عام 2026 أفضل من سابقه 2025، إذ شهدت معظم اقتصادات العالم فيه صعوبات، وتحديات سيمتد أثرها لهذا العام، وقد تراوحت التوقعات بين التفاؤل والتشاؤم، وبينهما التوقع الوسط الأقرب للواقع.
ويتوقع السيناريو المتشائم أن يشمل هذا العام تحديات صعبة مقبلة؛ استفحال "الحرب التجارية الدولية"، واشتداد المنافسة في "حرب الموانئ"، و تواصل آثار "التوترات الجيوسياسية"، وعدم استقرار
"سلاسل الإمداد"، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، واحتمال انفجار "فقاعة الذكاء الاصطناعي"، وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وتراجع الطلب على النفط، وانخفاض أسعاره. وعكس جُل ذلك السيناريو المتفائل، وإذا صدق "خير على خير"، أما إذا صحَّ الأول فسيكون الاقتصاد العالمي "مكاناً صعباً".
2026 عام التحولات الهيكلية في الاقتصاد العالمي، تحولات في التكنولوجيا والإنتاج، والأسواق والتجارة الدولية والشراكات الاقتصادية، ويتوقع أن تمتد آثار هذه التحولات لأكثر من عقد من الزمان.
فوفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي سيشهد الاقتصاد العالمي نموا بطيئا لا يتجاوز واحدا في المئة، وسيكون لذلك آثار سلبية على الاستثمار والانتاج، بما يضعف سلاسل التوريد ويعيد هيكلتها، وستكون أسعار النفط محل تأثير، وقد يخفضها إلى مستويات غير مسبوقة في السنوات الخمس المقبلة.
إن استمرار الحرب التجارية، وتوسع إجراءات الحماية الجمركية، سيولد ضغوطاً إضافية على النمو والاستثمار وأسواق العمل، وإذا صاحب ذلك تصاعد في التوترات الجيوسياسية، فإن ذلك قد يؤدي إلى مستويات مرتفعة في أسعار السلع الأساسية، مما يُرهق المستهلكين، خصوصا في الدول المستوردة للسلع الأساسية. وعلى عكس العديد من الاقتصادات الناشئة، فإن اقتصادنا الوطني يدخل عام 2026 وهو في حالة استقرار نسبي، نتيجة انخفاض المديونية، واحتياطيات مالية قوية، وتوجه بتسريع الإصلاح الاقتصادي المالي، والمشاريع الستراتيجية، وتصنيف ائتماني مرتفع.
غير أن هذا الاستقرار يتضمن في ثناياه مخاطر هيكلية، تحد من قدرته على تسارع النمو، وتحقيق نمو تشغيلي مستدام، رغم أن نموه المتوقع بين 2.5 إلى 3 في المئة.
السيناريو الوسط هو الأكثر واقعية، ولكن رغم وسطيته واعتداله، فهو يتضمن صعوبات اقتصادية يجب الانتباه والاستعداد لها، فاقتصادنا الوطني، كما يعلم الكثيرون، يعاني من اختلالات هيكلية، ونموه مدفوع بالإيرادات النفطية، والتنويع الاقتصادي محدود، والقاعدة الاقتصادية ضيقة، وبنمط استهلاكي عالي مدفوع بنمو مطرد في الواردات، ونسبة منخفضة للقطاعات الإنتاجية في الناتج المحلي الإجمالي، بما يجعله، رغم مصداته المالية القوية، شديد الحساسية لتقلبات الاقتصاد العالمي، وعليه، لا ينبغي أن نلج عام 2026، بما نتوقع فيه من صعوبات وتحديات، دون رؤية واستعداد وجاهزية، كي لا نكون في دائرة ردود الأفعال.
يُتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بين 2.5 إلى 3 في المئة، مدفوعاً بنمو الاقتصاد الصيني المقدر بين 4.5 إلى خمسة في المئة، في حين يقدر النمو في الدول الصناعية الكبرى بين واحد و1.5 في المئة، ورغم أن ذلك سيعزز التجارة الدولية، لكن ليس إلى مستوى الازدهار، وفي ذلك، يقدر أن يتراوح سعر النفط بين 65 إلى 80 دولاراً، وهو أقل من السعر التوازني، وبما لا يحقق فائضا، وربما عجزا محدودا يمكن معالجته، إلا أنه ينعكس سلبا على الانفاق الرأسمالي.
وإذا كان لما سلف ذكره أي أهمية، فإنها ربما تكمن في التالي، أي ما قد يتعين فعله، وهذا ملخص له؛
1 - مزيد من الترشيد وضبط الإنفاق.
2 - تسريع وتيرة الإصلاحات المالية والاقتصادية.
3 - تطوير منظومة التخطيط الإنمائي وإدارة الاقتصاد الكلي.
4 - النظر في رفع الرواتب والإجور لرفع مستوى المعيشة، وتفعيل الطلب الكلي، وتعزيز دورة التجارة الداخلية مع سياسة نقدية فعالة ورقابة لضبط التضخم.
5 - تسريع بناء نظام الإدارة الوطنية للمشروعات الكبرى.
6 - تحفيز القطاع الخاص لخلق فرص عمل.
7 - تسريع التنويع الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل.
8 - تسريع حوكمة الإدارة العامة والتركيز على الكفاءة. ومن المهم أن نتقدم فيها سريعاً لنحول الفرص المؤجلة إلى أرض الواقع، فعام 2026، وفق السيناريو الواقعي، ليس صعبا أو خطيراً، لكنه اختبار لقدراتنا لإضفاء المرونة لاقتصادنا، وزيادة قدرته على النمو التشغيلي المستدام، فنحن، في كل الأحوال، لسنا مهددين بالأزمات أو الانهيار، لكن بضياع الفرص والوقت وبطء القرار والإنجاز.
المدير العام السابق لمعهد التخطيط العربي