في عصر التواصل الاجتماعي الذي نعيشه اليوم، أصبح مصطلح "المشاهير" يُطلق بكل بساطة على أي شخص يحظى بآلاف أو ملايين المتابعين على منصات مثل "إنستاغرام"، "سناب شات"، "تيك توك"، أو "إكس" ("تويتر" سابقاً). يُعامل هؤلاء كنجوم، يُدفع لهم مبالغ طائلة للترويج لمنتجات، ويُعتبرون قدوة لجيل كامل من الشباب.
لكن، هل هم حقاً مشاهير بالمعنى التقليدي، أم أنهم مجرد مستخدمين عاديين استفادوا من خوارزميات المنصات وهوس الجمهور بالتفاعل؟
دعونا نعود قليلاً إلى الوراء، في الماضي، كانت الشهرة تُكتسب بالإنجازات الحقيقية: عالم يخترع دواءً ينقذ ملايين الأرواح، فنان يبدع أعمالاً خالدة، رياضي يحقق بطولات عالمية، أو مفكر يغير مجرى التاريخ بأفكاره.
هؤلاء كانوا مشاهيراً حقيقيين، لأن شهرتهم مبنية على قيمة مضافة للمجتمع، أما اليوم، فكثير من "مشاهير السوشيال ميديا" لا يقدمون شيئاً يذكر سوى صور يومية لوجباتهم، رحلاتهم، أو حتى فضائحهم المصطنعة لجذب الانتباه.
العيب الأكبر ليس في هؤلاء الأشخاص أنفسهم، بل في المتابعين والمجتمع. نحن من نمنحهم هذه الشهرة الزائفة بضغطات الإعجاب والمشاركة، ونحن من ندفع الشركات لتوظيفهم في حملات إعلانية بملايين الريالات أو الدولارات. نتيجة لذلك، يصبحون "مؤثرين" يروجون لسلع رديئة أحياناً، أو ينشرون قيماً سطحية، مقابل الربح السريع.
وكما قال أحدهم ذات يوم: "العيب ليس فيهم، بل فينا نحن من نهرول خلفهم ونلمع صورهم".
في الواقع، هؤلاء مجرد مستخدمين للمنصات، مثلنا تماماً. ينشرون محتوى ليحصدوا تفاعلاً، يستغلون الخوارزميات التي تفضل المحتوى الاستفزازي أو الترفيهي السطحي، ويبنون إمبراطوريات مالية على حساب وقتنا وأموالنا.
لكن هل يستحقون لقب "مشاهير"؟ بالتأكيد لا. الشهرة الحقيقية لا تُقاس بعدد المتابعين، بل بالأثر الإيجابي الذي يتركه الإنسان في حياة الآخرين.
المشكلة الأعمق تكمن في تأثير هذه الظاهرة على الشباب. يرى الجيل الجديد في هؤلاء "المستخدمين" نماذج ناجحة، فيسعون لتقليدهم، متجاهلين العلماء والمبدعين الحقيقيين الذين لا يملكون ملايين المتابعين، لكنهم يغيرون العالم بصمت. كم من عالم أو مخترع نجهله، بينما نعرف تفاصيل حياة شخص لا يقدم سوى الرقص أو التباهي بالرفاهية؟
في النهاية، دعونا نعيد النظر في ما نتابعه، ومن نمنح شهرته. هؤلاء ليسوا مشاهير، بل هم مستخدمون عاديون استغلوا عصر الرقمنة.
الشهرة الحقيقية تبنى بالعمل الجاد والإنجاز، لا بالـ"فلاتر" والإعلانات. وإذا أردنا مجتمعاً أفضل، فلنبدأ بتجاهل التافه، ودعم المفيد. فالسكوت عن السطحي أقسى عقاب، والتركيز على الجوهر أعظم مكافأة.
كاتب صحافي
[email protected]