الأربعاء 31 ديسمبر 2025
10°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الثقة على وسائل التواصل وفي الواقع
play icon
كل الآراء

الثقة على وسائل التواصل وفي الواقع

Time
الثلاثاء 30 ديسمبر 2025
هلا بدر الحميضي

في السنوات الأخيرة، تغيّر مفهوم الثقة لدى كثير من الناس بشكل ملحوظ.

لم تعد تُقاس بالحضور الفعلي، ولا بالقدرة على المواجهة، ولا حتى بالثبات في المواقف الصعبة. أصبحت الثقة، في نظر البعض، مرتبطة بالصورة، بعدد المتابعين، وبالانطباع السريع الذي نتركه خلف الشاشة. ومع هذا التحول، ظهرت فجوة واضحة بين ما نراه من "ثقة" على وسائل التواصل الاجتماعي، وما نعيشه فعلياً من ثقة حقيقية في الواقع.

على المنصات الرقمية، يمتلك الفرد مساحة واسعة للتحكم، يمكنه اختيار كلماته بعناية، تنقيح أفكاره، حذف ما لا يعجبه، إعادة الصياغة أكثر من مرة، أو حتى الانسحاب بصمت، دون مواجهة مباشرة.

هذه البيئة الآمنة نسبياً تُنتج شكلاً من الثقة السهلة؛ ثقة لا تُختبر ولا تُواجَه، بل تُعرَض. هي ثقة قائمة على الظهور، لا على التفاعل الحقيقي.

أما في الحياة الواقعية، فالأمر مختلف تماماً. الثقة هنا تظهر في لحظات غير مريحة: أثناء نقاش صعب، أو قرار مصيري، أو موقف يتطلب قول "لا" بوضوح، دون تبرير زائد أو خوف من الرفض. لا يوجد وقت للتعديل، ولا فرصة للاختباء خلف زر الحذف. إما أن تكون حاضراً، أو تتراجع. وهنا يتم اختبار الثقة الحقيقية، لا تلك المصممة بعناية.

المشكلة لا تكمن في استخدام وسائل التواصل بحد ذاتها، بل في الخلط بين الظهور والثقة. كثيرون يبدون جريئين خلف الشاشات، يعبّرون بسهولة، ويبدون واثقين في آرائهم، لكنهم مترددون في الاجتماعات، متجنبون المواجهة، أو غير قادرين على التعبير عن احتياجاتهم في الواقع.

ومع الوقت، يتحول هذا التناقض إلى عبء داخلي، ويؤثر سلباً على صورة الإنسان عن نفسه، ويضعف علاقته بذاته وبالآخرين. ويزداد الضغط على الأجيال الأصغر، التي تنشأ وسط صور مثالية ومفلترة لحياة الآخرين.

المقارنة المستمرة تُنتج شعوراً زائفاً بأن الثقة شيء يُعرَض ويُقاس بالتفاعل، لا قيمة تُبنى بالتجربة. وهنا تتحول الثقة من حالة داخلية ناضجة إلى أداء خارجي موقت، مرتبط برضا الآخرين.

الثقة الحقيقية ليست صاخبة. لا تحتاج إثباتاً دائماً، ولا تبحث عن تصفيق أو اعتراف مستمر. هي هدوء داخلي، ووضوح في المواقف، وقدرة على اتخاذ القرار حتى في غياب الدعم أو الإعجاب.

تُبنى بالوعي، وبالاحتكاك الحقيقي مع الحياة، والقدرة على الوقوف مع الذات في اللحظات الصعبة، لا بالخوارزميات، ولا بعدد المشاهدات.

ومع تسارع التحول الرقمي، يصبح من الضروري إعادة تعريف مفهوم الثقة، خصوصاً في بيئات العمل، والتربية والتعليم.

تعليم الذكاء العاطفي، ومهارات التواصل، والقدرة على المواجهة، لم يعد ترفاً، بل ضرورة نفسية واجتماعية.

في النهاية، تبقى الحقيقة بسيطة وواضحة: الثقة ليست ما نُظهره للآخرين، بل كيف نتصرف عندما لا يرانا أحد.

استشارية علم الشخصيات والعلاقات العامة

آخر الأخبار